العابر وسط الخرطوم وأطرافها لا يفتأ يلوي عنقه كل لحظة ليتأمل في حسرة وحرقة ما آل إليه وضع المشردين من سوء، وما آلت إلي حجمهم من تكرش وزيادة كبيرة، إذ أن شارع القصر والخرطوم شرق والجمهورية والسكة الحديد و… ما لا حصر لها من الأماكن في وسط الخرطوم صارت تعج ليس بأفراد فقط بل بأسر كاملة من المشردين، معظمهم من الأطفال، مرضى الجزام، المتسولين ذوي العاهات، ومدمني ومدمنات (السلسيون)، ينامون ويأكلون ويشربون ويتشاجرون، و(يسطلون) ويتناسلون أمام الملأ، وللأسف لا حكومة ولا ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية يضع الظاهرة في مقدمة أولوياته، ويعمل يجد وكد على إيجاد حلول إنسانية ناجعة لتدراكها.
عجز تام
ليس كل الأطفال يولدون في بيئة تشرد وإنما هناك من يحبون العيش وسط التيار المتشرد، ربما يحققون خلاله بعض ميولهم أو هواياتهم، فيضع نفسه رهن هذه الشريحة ووسط هذه البيئة بطوعة واختياره بالطبع تحت وطأة ظروف قاهرة هذا بحانب من يولودون ضمن هذه البيئة الرثة، حتى أصبح التشرد ظاهرة توجع مجتمعنا بأسرة، وصار السودان إحدى الدول التي تعاني هذه الظاهرة، حيث فشلت الحكومة والمجتمع المدني في إدارتها فتنامت واستشرت واستفحشت حتى غدت مصدر قلق وخطر على المجتمع برمته، فوزارة التوجية والتنمية الاجتماعية تشكو قلة حيلتها ولا تملك أن تضع حلولا جذرية للظاهرة، لكنها كشفت عن ارتفاع عدد الشردين في ولاية الخرطوم إلى (2447) الأمر الذي صعب عليها المهمة، وأوضحت الوزراة أن الفئات العمرية التي تقع في دائرة التشرد تتراوح ما بين (12_17) سنة وعددهم (1040) تمثل نسبة 42,5% عدد الذكور منهم حوالى (2069) بنسبة 85% أما عدد الاناث فبلغ (378) بنسبة 15% وأشارت الوزارة أن أعلى مستوى تعليمي بين المشردين لا يتجاوز مرحلة الأساس وهؤلاء عددهم (1558) بنسبة 58% وأنهم ينتمون إلى أسر معظمها تعيش في ولاية الخرطوم ويبلغ عددها (1507) بنسبة 61%من جملة المشردين.
الأوضاع كارثية
وفي السياق ذاته، قالت الرعاية الاجتماعية إن السبب الرئيس لخروج هؤلاء إلى الشارع هو الظروف الاقتصادية، إذ يعاني حوالي (597) منهم أي بنسبة 23% من ظروف معيشية بالغة التعقيد، وكشفت من خلال دراسة طرحتها الأسوبع المنصرم عن أن العدد الكلي للمشردين بلغ (1154) بنسبة 47% بجانب الجزئي الذي بلغ (907) بنسبة 37% بينهم (627) بنسبة 26% يتعاطون المواد المخدرة بأنواعها مثل المواد الطيارة التي يدمنها (421) بنسبة 24%، وأشار التقرير أن معظم هؤلاء يعتبرون حياة الشارع أنها سيئة جدا، وأن عدد الراغبين منهم في لم الشمل بلغ (1402) بنسبة 57% خطرة على الأمن القومي من جهته، امتدح مفوض العمل الطوعي السيد محمد السناري الدور الاجتماعي التي تقوم به وزارة التوجية والتنمية الاجتماعية ووصفه بالجهد المقدر لنخبة من العلماء وأهل الاختصاص الذين نذرروا أنفسهم لدراسة ظاهرة التشرد التي أصبحت تؤرق الولاية كلها لما ينجم عنها من سلوكيات خاطئة بحسب تعبيره، محذراً من أن هذه السلوكيات قد تضر بالأمن القومي، داعياً إلى الاستفادة من الدراسات المقدمة حتى حتى يتسنى الحلول في الطريق الصحيح الذي يمضي إلى معالجة الظاهرة.
تجسير الهوة
وفيما كشفت الأستاذة كوثرعبد الله الفكي مدير الإدارة العامة للرعاية الاجتماعية عن تجربة الوزارة في مجال التشرد التي بدأت ببرامج كبيرة مثل لم الشمل ثم وإنشاء دور للإيوا. وأشار بروفيسور خليل المدني إلى القضايا التي من شأنها تجسير الهوة بين الباحثين ومتخذي القرار، وشدد على أنه ليس بالضرورة أسباب حدوث مشكلة ما هي ذات الأسباب التي تؤدي إلى انتشارها، مطالبا باستخدام المنهج الاجتماعي العلمي في تحليل الظاهرة، ومن ثم إيجاد حلول ناجعة وناجزة لها، ودعا إلى إيجاد قاعدة معلومات تساعد على اتخاذ القرار مع استمرار التوعية المجتمعية للحصول على أسرة متماسكة في ظل خطورة السلوكيات في الشارع العام.
أماني خميس-اليوم التالي
error: Content is protected !!