وكالة سودان برس

sudanpress وكالة سودان برس

مقالات وآراء

سياط العنج … “محمد عبد الباقي”

عشرات الرجال يفنون اليوم كله في عمل لا يفهمه غيرهم ولا يقدره سواهم، تجدهم مدثرين بخرق بالية عليها بقايا القطران والزيت، كأنهم منفيون في صحراء بعيده لا يغشاها إنس ولا جان، يتحدثون همساً ويضحكون بمقدار، لا أحد يكلمهم ولا يكلمون إلا بعضهم.
إذا جاء وقت صلاة الظهر – تحديداً – يتركون كل أشغالهم ويهرعون نحو (الأباريق) يتوضأون لها، يؤدونها بخشوع، يتراصون في صفوف طويلة، يكبرون خلف الإمام بتلذذ ومتعة نفسية ويرفعون أكف الضراعة إلى الله بعد فراغهم منها، لينجيهم من كل مكروه وأن يدخلهم الجنة جميعاً وأن لا يجعل بينهم شقياً ولا مكروهاً أو محروماً.
هكذا يقضي عمال وتجار “سياط العنج” سحابة يومهم بسوق أبو زيد بأمبدة يعملون في مهنة لا يجيدها غيرهم وينتجون بضائع لا يشتريها أحد غير الأبالة والخيالة والسياح بأسعار تبدو خرافية ولكنها لا تدر عليهم عائداً مجزياً!!
* سوط العنج.. اسم على مسمى
لم نعثر على أحد يبين لنا سر تسمية السياط المأخوذة من جلد فرس البحر بسياط العنج فالجميع قالوا إن التسمية تعود لمئات السنين ولا أحد يستطيع أن يكشف كنهها أو مصدرها أو تاريخ إطلاقها، إذاً هي عريقة بذات عراقة السياط نفسها والتي اشتهر بها السودان دون غيره من الدولة المجاورة. ورغم النفي القاطع لمعرفة مصدر التسمية إلا أن قلة توقعوا أنها جاءت من أن السياط نفسها كان تستخدمها مجموعة العنج التي عرفت في منطقة سنار والنيل الأزرق قديماً.
* سودانية خالصة
“كانت سياط العنج من الصناعات السودانية التي لم تدخل فيها أي مستحضرات قادمة من الخارج…”، هكذا قال (محمد الطاهر) أحد تجار السياط وأضاف شارحاً معني (سودانية خالصة): المادة التي تصنع منها السياط هي جلد فرس البحر المعروف شعبياً بالقرنتي وهو يعيش في النيل الأبيض منذ قديم السنوات وهنالك مجموعات سكانية معروفة تخصصت في صيده – ذكرها – في مناطق بالنيل الأبيض وجنوب السودان. وأبان أن صيادي فرس البحر بعد أن يسلخوا جلده يستهلكون اللحوم محلياً ويبيعون الجلود إلى تجار من الشمال يصنعون منها السياط. وأضاف (محمد الطاهر) أن فرس البحر يستخرج من النيل داخل الحدود السودانية وكل المواد التي تدخل في صناعته سودانية خالصة ولكن بعد انفصال جنوب السودان طرأت الكثير من المتغيرات فصار الجلد يستورد من دولة جنوب السودان.
الكروج مترع بالقطران!!
تباع السياط بالكروج ـ بحسب مصطفى محمد آدم ـ أقدم تجار السياط بأبوزيد والذي قال: الكروج به (40) قطعة وهي عبارة عن شرائح أو رقائق كل شريحة يستخرج منها سوطان فقط لا تزيد ولا تنقص. وهنالك عشرات العمليات تجري بواسطة أناس متخصصين ومدربين على الشريحة من أجل أن تستخرج منها السياط، وتستخدم عدد من المواد المحلية في صناعة السياط على رأسها القطران الذي يُمسح به السوط بعد إعداده ومن ثم تبدأ عملية أخرى غالباً ما يكملها الشاري – أي – الشخص الذي يشتري السوط.
* أسعار عالية وفوائد ضئيلة!
“كل المواد التي تستخدم في صناعة السياط هي مواد محلية وأهمها القطران ورغم هذا أسعار السياط مرتفعة ولا نجني منها فوائد تذكر بسبب التكلفة العالية لإعدادها..”، هكذا تحدث (مصطفى محمد) عن صناعة السياط واستدرك بحزن: لو أن الجهات الرسمية أعدت لنا موسماً محدداً أو دعتنا إلى مشاركات في معارض السودان الداخلية والخارجية لعادت علينا هذه المهنة التي أفنينا فيها أعمارنا بالقليل من المال.
* أجانب ينافسون الأبالة
ويقول (إمام أحمد) أحد عمال السياط: من أكثر الذين يقبلون على شراء السياط الأبالة وسكان البادية وفي بعض الأحيان يشتريها العرسان ومن أكثر الولايات التي يأتي سكانها لشراء السياط كردفان وشرق السودان وأوضح (إمام) أن الأجانب دخلوا إلى سوق المنافسة قريباً وخاصة المصريين الذين يأتي بعضهم بنفسه للشراء وذكر أنها تصدر إلى تشاد ومصر بواسطة تجار سودانيين
أم درمان – محمد عبد الباقي تصوير – نميري شلبي
اليوم التالي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!