وكالة سودان برس

sudanpress وكالة سودان برس

مقالات وآراء

السوق الأفرنجي … “عبد الجليل سليمان”

من جامع فاروق إلى سان جميس ومن نواحي أبوجنزير صوب الشمال إلى البحر، أسس السودانيون الخواجات.. أو الخواجات السودانيون ما سُمِّي لاحقاً بالسوق الأفرنجي. وأنت تقلب تاريخه وتنظر لما آل إليه ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير، حركة المرور السلحفائية والفرندات المرشوشة بالباعة (الأرضيين) والظلمة ليلاً، والفنادق خالية كأنها مسكونة بالجن، آراك هوتيل مغلق منذ زمن بعيد، واكسليور ينام على خواء. المقاهي باهتة وباردة والتجار يشكون ظلمة شارع الجمهوريةوهروب البضائع الانجليزية واليابانية أمام الزحف الصيني الكبير. والآن لم يتبق من أجمل أسواق السودان إلا ذكريات وشجن!!
الذكرى الجميلة
قيل لي إن أهم الأشياء في الأفرنجي هي محلات القماش والأنتيكات والمقاهي، وبقايا ذكريات المراقص والبارات وليالي المخمل، تحدثت إلى ياسر الأمين من محلات (مليون صنف)، فوصف محله بأنه قديم نسبياً ينشط في تجارة الأقمشة والأواني المنزلية ثم لاحقاً الملبوسات الجاهزة، وظللنا ننشط في تجارة البضائع الإنجليزية واليابانية، ولكن مع انهيار الذوق العام وهبوطه تراجعنا إلى الصيني وأدخلنا الستائر والسجاد والموكيت السعودي، وأن زبائنهم في الغالب من موظفي الوزارات والمصالح الحكومية والبنوك.
وفي السياق وصف البائع حسين إبراهيم بأسى بالغ الأفرنجي بأنه كان تحفة الأسواق وعروسها وطفق ينشد قصيدة السبعينيات من السوق الأفرنجي ويعدد المحلات الرائعة، مليون صنف، المسرة، الجوهرة، وباربارا لصاحبها الإغريقي عيسى باربرا.
ومن أهم المقاهي (كازبلانكا) وهو تابع لـ(محسي أزرق) والآن تديره زوجته المغربية، ومن البارات الشهيرة (ناسل جي بي) قرب بنك الأهلي الحالي، وبار ود الحسين، وفندق الشرق وجي أم اتش (بار فوق وصالة رقص تحت).
نجوم الأفرنجي
وفي السياق، يقول عمر علي الطيب، إن معظم زبائن السوق الأفرنجي كانوا من الدبلوماسيين والصحفيين والرياضيين، دكتور عبدالحليم محمد ومصباح الصادق كانوا يجلسون على مقهى قرب مكتبة الأيام والرأي العام، أما محل فكتوريا (السلطان الشامي) فقد كان زبائنه من أرقى طبقات المجتمع، والفنادق خليها ساكت، أمبسادور بتاع مصطفى كيشو قطب الهلال، ودا كان رجل (مترين في مترين)، والأكروبول كان بتاع أغاريق.
واستطرد: الشوام كانوا تجار شاطرين، ناس جوزيف قهواتي كان أكبر مستورد خميرة، والخواجة فرهج كان أكبر مستورد بيرة والعمارة الفيها (مليون صنف) دي حقتو أما بابا كوستا فكان مخبز (والما أكل رغيفو ما أكل).
أناتيك وجلود
في اتنية كرافت ومقهى (اتنية) التقتينا بـ(هيثم مبارك) و(أسامة محمد سليمان)، قال هيثم: نعمل في مجال جلود التماسيح والأصلات والكوبرا والبقر الحور والأبنوس والعاج، وبيض النعام الذي المنقوشة عليه آيات قرآنية، واشتكى هيثم من المتسولين الذين يحاصرون الزبون الأجنبي ومن النشالين، وناشد شرطة السياحة توفير عربة واحدة (عشان الناس ديل يخافوا)، واستطرد: تعال الساعة 8 بالليل وشوف براك. من جانبه قال مبارك: إن مقهى أتنيه كان باراً لأسرة (جورج فالبس) ثم فيكتور عيسى، وبعد أن آل إلى أسرتهم حولوه إلى مقهى ومتجر أناتيك لكنهم حافظوا على شكله القديم. وكشف عن أن أقدم تجار (الأناتيك) هم جورج فالديس، مراد بخيت ومدام قابي.
قماش إنجليزي ومعبد للحب
من جهته، قال يوسف أحمد يعقوب من (المسرة) للأقمشة إن هذا المتجر يعتبر من أقدم مخازن ومتاجر القماش في هذا السوق، التي تضم إلى جانبه مخازن بنيامين، الجوهرة، الصالون الأخضر، بكار وكمال الناظر، جورج قرنفلي وغازي الأزرق، وكشف عن أنهم كانوا متخصصين في البضاعة الإنجليزية واليابانية (كلها قطن وماعندهم حرير)، وأضاف أن الأفرنجي أسسه سودانيون من أصول أجنبية (هنود، يهود، إغريق وشوام)، وأن غالبية اليهود كانوا في أم درمان وأن أول شركة للنظارات كانت ليهودي وهو السيد (موريس جولدنبيرج). أما محلات المسرة التي أعمل بها فهي تابعة للشاعر والصحفي الشهير حسين عثمان منصور صاحب مجلة الصباح الجديد وأغنية أبو داؤود الشهيرة (دقت الأجراس في معبد الحب). واستطرد يوسف: البارات كانت كثيرة، أقدمها (شناكه وخباز) أما المطاعم فقد كانت نظيفة وخدماتها راقية تغسل بصابون اللوكس السائل، أما أهم محلات الأواني المنزلية هي جنبرت وأولاده والذي تأسس عام 1926م.
شارع مظلم
إلى ذلك، شن الحاج عمر محمد حمد النيل من كبار تجار الأناتيك وصاحب محل بلابل المطل على شارع الجمهورية حملة عاصفة على ولاية الخرطوم قائلاً: كيف نفهم أن يظل شارعاً حيوياً كشارع الجمهورية دون إنارة فيما تنار الأحياء الطرفية والأماكن غير التجارية، وتحدث بأسى بالغ عما آل إليه الأفرنجي بعد أن سوقاً يرتاده السعوديون والخليجيون، وشدد على أن عدم إضاءة شارع الجمهورية يشجع اللصوص على التجول فيه ليلاً.. واستطرد: والله في الليل لو مشيت براك هنا، ينهبوك عديل كده
الخرطوم – عبد الجليل سليمان

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!