حقق مؤتمر ”الحركة الإسلامية‘‘ الأخير نجاحا كبيرا للحكومة. فداخليا، نجحت بعقد هذا المؤتمر في ضخ شيء من الدم من جديد في الشق الإنقاذي المتهالك من جسد الحركة، وأبرزت ذلك الشق وكأنه الممثل الأكبر والأهم للحركة الإسلامية السودانية في مجملها، في مسعى لتجديد مرجعيتها الإسلامية التي أنهكتها مظاهر الفساد المالي والاجتماعي والسياسي والتنازلات المستمرة عن أحكام الشريعة، دع عنك مقاصدها. وفي الوقت نفسه، أمّنت موقع الرئاسة (أو ”القيادة العليا‘‘) بحيث يتعذر على أي ”ترابي‘‘ جديد أن يتطلع إلى زعزعته أو النيل من سلطانه، وبحيث أصبحت نتائج اجتماعات مجلس الشورى المرتقبة – وكل اجتماعاته التالية في المستقبل المنظور – أمرا مفروغا منه. وهذا مطلب عزيز ما كان ليتحقق دون جهد كبير.
وخارجيا، استطاعت الحكومة أن تجتذب إلى مؤتمر حركتها قادة الحركات الإسلامية العربية التي أصبحت حكومات، سواء في مصر أو تونس أو فلسطين، برغم ما لتلك الحركات من تحفظات كبيرة على مسار التجربة الإنقاذية وسعي جاد لاجتناب أخطائها أو خطاياها والبعد عن الظهور أمام مواطنيها بمظهرها الاستبدادي. ولكن يبدو أن روح التضامن بين الحركات الإسلامية، في وجه التحديات الجسيمة التي تواجهها في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها وتاريخ الشعوب العربية، طغت على كل اعتبار.
وبما أن المظهر كان هو المطلوب أكثر من المخبر، كان هذا الحشد العددي والإعلامي الباهر – والإنفاق المالي الباذخ – ضروريا. وتم دون حياء تسخير جميع الأجهزة الإعلامية للدولة لتغطية مؤتمر لا يخص سوى جزء من حزب الحكومة، الذي يمثل جزءا من الحركة الإسلامية، التي تمثل جزءا من الشعب السوداني (الشمالي). و ”لا ضير‘‘، فالدولة كلها في النهاية مسخَّرة لخدمة الحزب.
ومع ذلك، أو لذلك، لم يأت هذا المؤتمر الحاشد بجديد. ولو اطلع المرء على قرارات المؤتمر أو على الكلمات التي أُلقيت أو على الشخصيات التي تم انتخابها لأدرك بسهولة أن السيناريو كله كان يمكن أن يكتبه بحذافيره – قبل انعقاد المؤتمر – أي محرِّر قرارات في دهاليز السلطة بحاءاتها الثلاثة الشهيرة، من حكومة وحركة وحزب، والثلاثة متسلط واحد – آمين!.
ومع ذلك فقد كان المؤتمر ناجحا كل النجاح وبكل المقاييس! فقد كان المقصود منه هو بالضبط أن لا يأتي بأي جديد، وهذا ما حدث. وكان الخوف كل الخوف أن يأتي بجديد.
فإذا كان هذا المؤتمر هو نوع التجديد الذي تريد الحركة أن تجدد به نفسها، والذي بشَّر به السيد النائب الأول قبل أسابيع قليلة، فهو تجديد استنساخي بحت – مثل النعجة ”دولي‘‘ الشهيرة. ويا لها من عبقرية بارعة – أن تجري جري الوحوش وأنت في نفس النقطة لا تتعداها.
ملاحظة-1: أسعدني أن أسمع الرئيس مرسي اليوم يرد على من هتفوا أمامه مطالبين بالشريعة، يقول لهم إن الشريعة هي الحق، هي العدل، هي المساواة، هي العدالة الاجتماعية، هي العمل لبناء الوطن. وكأني به أراد أن يقول لهم في لطف إن الشريعة أكبر من مجرد الجلد والرجم وتقطيع الأيدي والأرجل.
ملاحظة-2: هؤلاء الذين أنتقدهم هم إخواني وأحبابي، ولا أريد لهم سوى أن يوفقهم الله إلى ما فيه خيرهم وخير الأمة، وهو أن يردوا أمانة الحكم السليبة – التي طال بها الأمد – إلى أهلها، إلى مجموع الشعب الذي لم يكلّفهم يوما بحملها، وأن لا يكلفوا أنفسهم بما لم يكلفهم به الله، وأن يلطفوا بهذا الشعب الذي كان يرجو منهم كل خير. ويومها سيصفق لهم الشعب طويلا! ثم ليجلسوا في بيوتهم وينظروا هل سيعيد الشعب انتخابهم؟
فؤاد العجباني-فينّا، النمسا
24-11-2012
مقالات فؤاد العجباني>>
error: Content is protected !!