وكالة سودان برس

sudanpress وكالة سودان برس

مقالات د. محمد بدوي

لماذا ينكرون عروبة السودان؟ … “د. محمد بدوي”

السودان بلد التنوع العرقي يتضمن قبائل عربية وهذه هي المعنية في هذا المقال. أعيد هنا أن المعنيون هم من ولدوا بلسان عربي سوداني. فقضية الهوية تجلب الهواء كما عهدت ذلك في مقالات سابقة حينما استبنت بقولة لأستاذي صلاح محمد إبراهيم يقول فيها “نحن عرب العرب”. بنفس القدر لا أتجه هنا للتصدي لحل مشكل الهوية السودانية لأنها شائكة ومعقدة إلى أبعد الحدود. فقط أود أن أنوّه في بداية هذا المقال أن السودان عضو في جامعة الدول العربية ولم تولد هذه العضوية من عدم. أعرف أن الكثيرين من أهل الهامش كما يطلقون على أنفسهم سوف يضعون شماراتهم وبهاراتهم في جعبة التساؤل.
المهم أنني وقفت عدة مرات على نظرة “ابناء بنبة” إلينا نحن عرب السودان فوجدتها حامضة المذاق، لأنهم حينما نقدرهم يشيرون لانتمائنا إليهم وحينما نغضب عليهم يلغون هويتنا العربية، فما العمل؟ لقد وثق العالم العلامة الجاحظ في رسالته المعروفة: “فضل السودان على البيضان” (ليس المقصود منها البلد) بمرافعة جدلية منطقية من الطراز الأول، ولعله أراد بزمانه أن يرد على من يشكون في عربيته وعربية الفطاحلة الذين خدموا الإسلام ولغة الوحي، كبشار ابن برد، عنترة بن شداد، بلال الحبشي، الخ. إذا كانت المسألة مطروحة من قِبلَ بعض فضلاء الأعراب منذ عهد زهيد. لكن ما معنى كلمة سودان؟ سودان – جمع اسم أسود، بيد أننا نعلم بان اللاحقة “آن” تولد أسماء الأماكن، كما هي الحال في “باكستان وكردستان وإيران”. لكنها تولد أيضا الجمع كما في غلمان ونسوان “وكيزان” والمثنى في “ولدان وبنتان الخ”.
يطلق علينا فضلاء الأعراب لفظ زول لسنا بحاجة إلى تبرير بعض الوحدات اللغوية السودانية كهذه الكلمة “زول” لإخواننا العرب فهب أنها ليست من أصل عربي، فماذا؟ هل هذا يمنع عروبتنا عندما نلفظ بكلمات أعجمية؟ وهل كانت لغة العرب لغة خالصة دون الأعجمي؟ فماذا عن فردوس وإبريق وجبروت وملكوت وروزنامة واللواحق “-جي” في “بلطجي” واللواحق “خانة” في إجزخانة وشفخانة وكلمات مدام ومرسي وأبي وطانط وما إلى ذلك من كلم أهل مصر الفراعنة. فالعربية ليست نادي يضمونا إليه حيث شاءوا ونطرد منه حيث طاب لهم. لكن العربية ببلاد السودان واقع وتاريخ لا يكمن أن تمحوه شحابه اللون أو سمرته. فالقبائل العربية جاءت إلى السودان في مراحل متقدمة، منها من شبة الجزيرة ومنها بلدان أخرى فنجد في لهجتنا ملامح لغة العدنانيين كما نجد الملامح الحميرية في الإقلاب مثلا (معلقة، وصاقعة (وفي النطق (الجيم المعطشة التي تنطق كالياء كما هي الحال بجنوبيّ العراق، وقلب القاف غينا أيضا في نفس الموضع بالعراق). إن آخر الرحلات كانت رحلة قبائل الرشايدة من شبه الجزيرة العربية (منطقة حائل). لقد أرخ لها د. عون الشريف قاسم بعام ١٨٤٦ ولكن المعروف أن الهجرات كانت في فترات متتالية. وهاهمذا يطردون من بلادهم من شبه الجزيرة كما تؤرخ لذلك كثير من الروايات، إن صحت،. لكن من الأسباب التي يمكن الإستناد إليها أنهم جاءوا إلى بلاد السودان من أجل المرعى بعد أن حلت بالجزيرة العربية وما زالت تحل، موجة من التقشف وقلة الغيث. إن سلمنا بالأمر بأنهم طردوا رغم لونهم الأبيض فماذا عن السود آنذاك؟ لماذا هاجرت قبائل الرشايدة إلى الكويت، السودان، إرتيريا وجنوب مصر في فترات بين أواسط القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؟ ذلك أن بطون القبائل العربية صنفتهم من القبائل التي لا أصول لها (يسمون الهتيم). تلك القبائل التي جاءت من فارس والهند وبقت بالجزيرة واعتنقت الإسلام، لكن رغم ذلك لا يتزوجون منهم ولم يترك لهم جنبا يستريحون عليه. هل تعرفون يا إخوتي أن ببعض البلاد العربية إلى الآن عبيد مستعبدة من قبل الوجهاء. لقد لفت نظري هذا في زيارة لأحدى العوائل العربية للعلاج بأروبا وكنت معالجا لأميرة أصابها التهاب بالمخ. ورغم أن الأخ الأسود المرافق لهم، قد ربي على يد أم الأميرة، لكن في وقت ما وفي حالة زعل قالت له: أُسكت يا عبد (أثناء حضوري). رغم أنها أرضعته مع ابنتها الأميرة. فالأسود، كما هي الحال في سوريا ولبنان، يعني العبد، سيما عند بعض رواد نادي الشيشة الثقافي بديارهم. ذكر لي أبي أنه كان ذات مرة ببلد عربي في الأربعينيات. كان يود السفر إلى أوربا بالقطار ليقابل من يشترون صادراته من الجلود بتركيا وإيطاليا. ففي مكتب البريد كان يقف في صف وأمامه رجلان. فأشتد الشجار بينهما. فقال أحدهما للآخر “: لك بتحرجنا قدام العَبَد هدا يا زلمي” !. وأنتم رأيتم ما أصاب من بني السودان بضواحي بيروت قبل سنوات من ضيم وهوان. لقد وقفت على ذلك عندما كنت في زيارة لسيدة مرموقة ببيروت بغرض مهرجان ثقافي، احترمتني كل الاحترام لكن كانت تتحدث عن صحاب سودانيين من أهل الوجاهة، ليسوا كهؤلاء الذين يعملون في فندقها المرموق من الجرابيع. لذا لا يجب أن نضع أنفسنا على كرسي التبريرالساخن لكي نثبت حضارتنا و ثقافتنا العربية الأصيلة. ففي هذا الشأن قال الأستاذ صلاح محمد إبراهيم: “نحن عرب العرب” وهنا تحدث عن أهل السودان الذين يتكلمون العربية كلغتهم الأم، دون الدخول في متاهات الهوية التي أراد العرب أن يعزلونا منها؛ ولبنان، على حسب قول الأستاذة بدور في مقال سابق لها، كانت الرائدة في منع السودان للانضمام إلى الجامعة العربية. لماذا؟ إذا هل نحن عرب؟ أم نحن أفارقة؟ ما نكون نحن؟ وكيف يمكن أن نصنف هويتنا؟ ذلك متروك لكل فرد منا لتحديد موقفه تجاه العروبة، ذلك النادي البهي الذين ندخل إليه إن شاء الفضلاء ونخرج من جنانه متي طاب لهم.
بقلم د. محمد بدوي مصطفى
mohamed@badawi.de

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!