روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه : أنه قدم رجلان من المشرق فخطبا, فعجب الناس لبيانهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : إن من البيان لسحرا
عجيب والله كلامه صلى الله عليه وسلم إذ أنه شبّه الخطيب البارع الفصيح بساحر يسحر عقول الناس, وكان بأبي هو وأمي ساحر ببيانه فكان إذا تكلم بين الصحابة رأيتهم خاشعون من تأثير كلامه كما قال العرباض بن سارية : ” وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون
فما أعطى الله امرئ موهبة كما أعطاه لساناً بليغاً ولو كان لي الخيار أن اختار موهبة واحدة, لما ترددت في أن تكون لي الفصاحة في القول وطلاقة اللسان لأن من حازها فقد ملك عقول الناس, ومن ملك عقول الناس ملك الدنيا بأجمعها
والعجب في هذه الموهبة أنها تجعلك تبدو أكبر من حجمك الطبيعي أمام الناس فالمتكلم الجيّد يعطي للناس انطباعاً عنه بالذكاء وقوة الشخصية و سعة الاطّلاع والعلم فأحياناً نجد الاقبال على الدعاة ذوي الأسلوب المؤثر أكثر إقبالاً على من هم أوسع منهم علماً كذلك الحال عند المرشحين والساسة تجد انجذاب الناس للمتكلم الساحر أكثر من انجذابهم لغيره ممن قد يكون اصلح منهم كل ذلك بسبب هذا البلوى الذي يسمّى اللسان فاللسان الصغير الذي يملكه الإنسان يعادل فعله نصف ما يفعله باقي أعضاء الجسد, وصدق شاعرنا حين قال
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبقى إلا صورة اللحم والدم
وهنا قد يسأل سائل : هل الخطابة, مهارة مكتسبة أم هي موهبة فطرية موروثة ؟
فنقول أن فيها جانب فطري بسيط لكنها بالدرجة الأولى مهارة يمكن اكتسابها من خلال الدراسة
أول مهارة : شكّل حديثك حسب جمهورك يجب أن تعرف مدى معرفة الجمهور بالموضوع ثم تشكّل حديثك حسب معلوماتهم. وإذا كان الجمهور مخالفاً لرأيك, حدد مدى اختلافهم وابدأ بنقاط الاتفاق, واعرف مالذي يضايق الجمهور وتجنبه, فإن كانوا على سبيل المثال من طائفة مخالفة أو من مذهب آخر, فاحذر أن تمس معتقداتهم أو تستهزئ بما يتبنونه من آراء. كذلك تأكد من تغطية المقدمات التي يجب أن يستوعبها الجمهور قبل أن تبدأ بصلب الموضوع. واحرص على أن تضرب أمثلة مناسبة
ثانياً : حدد الهدف الذي ترجوه من حديثك
من الضروري أن تعرف الغاية التي ترجوها من حديثك ؟
وغالباً ما تنحصر الأهداف بمعلومات تريد مجرد إيصالها للجمهور,
أو أنك تريد إيصال شعور معيّن, أي تريدهم أن يشعروا بالفرح أو الضحك مثلاً, أو إثارة عواطفهم تجاه قضية معينة
أو أنك تريد من جمهورك أن يقوموا بفعل, كأن تريدهم أن يصوّتوا لفلان مثلاً, أو أنك تريدهم أن يدعموا الاتحاد الوطني لطلبة مثلاً, أو إقناعهم بأن استجواب وزير النفط أمر سخيف وغير منطقي مثلاً
وأحيانا تكون هناك أهداف خاصة خفية, كأن تريد من وراء خطبك تحقيق شهرة أو مال أو بناء علاقة مع أحداً من مستمعينك أو ما شابه ذلك وهذا النوع من الأهداف وارداً ولا يعتبر عيباً
ثالثاً وأخيراً : اعرف تماماً ما الذي ستتحدث بشأنه :
: إذا كنت تتحدث مع أمريكي بطريقة غير مفهومة, فوارد أن يقول لك
” What are you talking about ?!! ”
كثير ما يقع الخطباء بهذا الخطأ وهو أنهم يشرعون بالكلام وهم لا يدرون بالضبط ماذا سيقولون, فيقعون في إحراج شديد عندما يتوقفون أثناء حديثهم ليفكروا بالجملة القادمة, فعندما تسمعهم تدرك بسهولة أنهم لم يحضروا لكلمتهم وأنهم غير جادين في حديثهم. لذلك لا تقع في هذا الخطأ, و حضّر جيداً لما ستقوله, واجمع ما تستطيع من المعلومات اللازمة ودوّنها في كروت صغيرة أو ما تراه مناسباً, واحرص على جمع النقاط الأكثر أهمية,
إن ما ذكر من مهارات هنا, هي بالحقيقة مهارات مدروسة ومحكمة, يتم تعليمها في بعض الأقسام العلمية في الجامعة, بل إن هناك كليات تسمى بكلية الخطابة في أمريكا.
مراجع مفيده :
فن الخطابة لديل كارنيجي
فن الالقاء الرائع للسويدان