يشهد العالم في هذه الأيام سباقاً متسارعاً نحو تطوير شبكات 5G، الجيل الخامس من شبكات الاتصال الخلوي فائق السرعة، والتي ستأتي خلفاً لشبكات الجيل الثالث 3G والرابع 4G، ويبدي العلماء هذه المرة حماساً منقطع النظير إذ يقولون أن شبكات الجيل الخامس ستأتي بصورة مختلفة كلياً ستغير من وجه العالم بأكمله.
لنفهم تقنية الجيل الخامس 5G لابد من استعراض الأجيال السابقة من هذه الشبكات وما كانت توفره من إمكانيات:
شبكات الجيل الأول 1-G:
عبارة عن تقنيات كانت تقتصر على إمكانية إجراء الاتصال الخلوي باستخدام الهاتف أثناء التنقل.
الجيل الثاني 2G:
إضافة إلى إمكانية الاتصال الخلوي، قدمت شبكات الجيل الثاني إمكانية إرسال رسائل نصية عبر شبكات الهاتف النقال من خلال تحويل البيانات إلى إشارات رقمية.
الجيل الثالث 3G:
وهي تمثل بداية الثورة التقنية في مجال الاتصال الخلوي عالي السرعة الذي يوفر إمكانية إرسال واستقبال مختلف الوسائط المتعددة، صوت وصورة ونص بسرعات عالية.
الجيل الرابع 4G LTE:
ركزت التقنيات التي تنطوي تحت تصنيف الجيل الرابع على سرعة البيانات، فخدمة LTE تقدم سرعة بيانات أسرع بـ 8 مرات مقارنة مع تقنيات الجيل الثالث 3G.
أسرع بمئات المرات من شبكات 4G :
يقول خبراء التقنية والعلماء القائمين على اختبار شبكات 5G أنها ستوفر إمكانية تصفح الإنترنت لاسلكياً بسرعات تفوق بمائة مرة السرعات التي توفرها 4G LTE الحالية، إذ سيتمتع المستخدم بإنترنت بسرعة مذهلة تصل إلى حد 800 غيغابت في الثانية.
في عام 2013 اختبرت شركة سامسونغ الكورية الجنوبية شبكات 5G عند السرعة 1 غيغابت في الثانية وهو ما يعني إمكانية تنزيل فيلم عالي الوضوح بأقل من دقيقة واحدة، أما شبكات 5G التي ستصل سرعتها إلى 800 غيغابت في الثانية فسوف تتيح قدرات قد لايستوعبها العقل البشري حالياً، إذ يتحدث العلماء عن إمكانية تنزيل 33 فيلم عالي الوضوح في ثانية واحدة عند ذلك المعدل من السرعة.
وعلى الرغم من هذا الحماس في تطوير واختبار شبكات الجيل الخامس إلا أنه من المستبعد توفرها تجارياً للمستخدمين قبل عام 2020، فبحلول ذلك العام من المتوقع أن يتراوح عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت مابين 50 إلى 100 مليار جهاز، لذا فلا بد من توفر شبكات بنطاقات ترددية جديدة ومختلفة لسد هذا الطلب الواسع على الاتصال بشبكة الإنترنت.
وعن كيفية عملها من الناحية التقنية، فإن هناك تقنية تعرف اختصارا بـ MiMo أي “مداخل متعددة ومخارج متعددة” ستلعب دوراً رئيسياً في تشغيل شبكات الجيل الخامس ومعايير كفاءتها، وتستخدم تقنية MiMo هوائيات عديدة صغيرة لتخديم تدفق البيانات بشكل منفرد، وقد اعتمدت سامسونغ على هذه التقنية لتوفير سرعات مذهلة لتنزيل البيانات، ومن المرجح أن تستخدم شبكات الجيل الخامس عدد أكبر من محطات البث، بما في ذلك المواقع الكبيرة المخصصة للبث ومحطات أصغر تعتمد طيف من تقنيات الراديو لتضمن تغطية أفضل.
سباق محموم:
وزارة التربية والعلوم التقنية في كوريا الجنوبية كشفت عن نيتها استثمار ما يُعادل 1.5 مليار دولار أمريكي في تطوير شبكات الجيل الخامس 5G ، على أن يتم إطلاق الخدمة تجريبياً بحلول عام 2017 وبحيث تطرح تجارياً للمستخدمين بحلول عام 2020.
وتُقدر الحكومة الكورية أن تبلغ المبيعات المتوقعة للصناعات ذات الصلة والتي قد تستخدم البنى التحتية لشبكات الجيل الخامس، ما يُعادل أكثر من 310 مليار دولار أمريكي، وذلك في الفترة مابين 2020 إلى 2026، وترغب الوزارة المسؤولة بتطوير هذه التقنية بالتعاون مع مشغلات الاتصالات والشركات المحلية، مثل اتصالات كوريا الجنوبية SK Telecom و اتصالات كوريا Korea Telecom، بالإضافة إلى شركتي سامسونغ و إل جي.
وتأمل شركة سامسونغ في توفير خدمة تجريبية من شبكات الجيل الخامس عام 2018 وذلك تزامناً مع دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي ستستضيفها مدينة بيونغ تشانغ، أما اليابان فتسعى إلى توفير شبكات5G بصورة نهائية عام 2020 تزامناً مع الألعاب الأولمبية الصيفية التي تستضيفها العاصمة طوكيو.
أما شركة هواوي الصينية فستتولى مهمة تطوير شبكات الجيل الخامس لتوفيرها في روسيا بحلول عام 2018 تزامناً مع بطولة كأس العالم، وبهذا الجانب وقعت هواوي اتفاقية مع مشغل الاتصالات المحمولة الروسي MegaFon لتطوير و تطبيق الشبكات التجريبية للجيل الخامس على أن تتوفر التقنية قبيل انطلاق مونديال 2018، وتقوم الاتفاقية على وضع معايير تقنيات الجيل الخامس وتحديد المتطلبات اللازمة لإنشاء شبكاتها و تأسيس فريق عمل لبدء تنفيذ الشبكات التجريبية لتزويد التغطية اللازمة خلال بطولة كأس العالم بكرة القدم 2018 المزمع استضافتها في روسيا، وتتوقع هواوي الانتهاء من كامل أعمال التنفيذ قبل ذلك بسنة على الأقل وتحديداً في يونيو 2017.
ونظراً لاحتدام السباق والمنافسة بين هواوي وغريمتها الكورية الجنوبية سامسونغ، أطلقت الشركة الصينية مركز أبحاث وتطوير بقيمة خمسة ملايين جنيه استرليني في المملكة المتحدة.
بدوره سيكون الاتحاد الأوربي جزءاً من المنافسة، فهو يعتبر أحد أهم المطورين و المراهنين على الفوز في هذا المجال حيث يقوم بحشد ميزانية للمشروع تقارب سبعة مليارات يورو بمشاركة حوالي 60 كيان عام وخاص من قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تحت قيادة ما يسمى بالشراكة العامة-الخاصة للجيل الخامس، ويتوقع بحلول عام 2020 الوصول لذروة المشروع بحيث يتصل نحو 7 مليارات جهاز محمول بهذه الشبكات.
عربياً، من المرجح أن تصل شبكات الجيل الخامس إلى الإمارات أولاً وكذلك الأمر من خلال شركة هواوي الصينية، إذ وقّعت مجموعة “اتصالات” اتفاقية مع الشركة الصينية لتطوير شبكات 5G ، وسيقوم فريق مشترك بإجراء تجربة على خدمات الشبكة التي ستكون التجربة الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط.
كيف ستغير حياتنا ؟
أطلق باحثون أمام المفوضية الأوروبية شعارا يقول : “5G is not 4G+1” ، بما معناه أن شبكة الجيل الخامس ليست ببساطة الجيل الأحدث من شبكات الجيل الرابع فحسب، فشبكات الجيل الخامس ستحقق ما يعرف بـالوصل الفائق (Hyper-connected) أي سنصبح مجتمعاً يتصل فيه الأشخاص والتجهيزات مع بعضهم البعض ويكون تدفق المعلومات سلساً ومستمراً مع تحقيق أعلى درجات التغطية والسرعة الغير محدودة بفضل هذ الجيل من الشبكات.
كما ستتيح شبكات 5G المجال للأجهزة الموجودة لكي تتعرف على احتياجات كل مستخدم بأفضل شكل ممكن و هو ما يطلق عليه شعار “فكّر بطريقة أفضل” وصولاً إلى خدمات ترقى لمستوى التحسس للأفكار، فمثلا: اذا كنت تريد ان تتصل بصديقتك، ففكر بها و ستقوم الشبكة بالاتصال بها تلقائياً، ومن المؤمل أن يصبح ذلك واقعاً بحلول عام 2020.
ويعتقد أن شبكات الجيل الخامس 5G ستشكل ثورة تقنية واجتماعية في آن واحد، حيث أن المعيار القائم على الزمان والمكان سيصبح شيئاً من الماضي ولن يشكل أي عقبة، وهذا ما أكّده خبراء عاملون في مختبرات تطوير شبكات الجيل الخامس 5G، فعندما نصل إلى مرحلة من تدفق المعلومات تتخطى حاجة الشخص الواحد أو قدرة جهاز على معالجة هذه المعلومات خلال ثانية واحدة، فإن ذلك يعني بصيغة أخرى أننا وصلنا إلى نظام يحقق استجابة فورية لطلب المستخدم.
كما ستمكّن تقنيات الجيل الخامس المستخدمين من تجاوز ما يسمى بـ “الواقع المعزز” بل والذهاب إلى أبعد من ذلك، وهو الابتعاد عن الاعتماد على الأجهزة الخارجية (هاتف ذكي، حاسوب لوحي) أو الحاجة لمعضلة الاتصال وقطع الاتصال.
من الناحية الهندسية تعتمد تقنية الجيل الخامس على الترددات المايكروية اعلى من 14 جيجا هيرز وهذه الترددات غالبا ما تكون محجوزة للاستخدامات العسكرية مما قد يشكل تحدى فى دخول هذه التقنية لبعض الدول ما لم تعدل تشريعات الطيف الترددي لديها وقد اصدرت الولايات المتحدة الشهر الماضي قرارا يسمح باستخدام الترددات العالية في المجال التجاري.
المعضلة الاخرى خاصة بطبيعة هذه الترددات اذ انه معروف كلما زاد التردد زادت مقدرة الاجسام المادية على اعتراض الموجات مما يجعل المباني والاشخاص وحتى الامطار عائق امام انسياب الاشارات اللاسلكية وهو امر يمكن تجاوزه باستخدام الهوائيات متعددة المنافذ وزيادة محطات الارسال ولكن ستكون التكلفة عالية للمشغلين.
error: Content is protected !!