كنت قد أعددت عدتي ودبرت حالي وميزت عيالي كى أواصل مع قرائي في هذه السلسلة السلسة من أدب الصالحين وكرامات الذاكرين، وهم خليط من أنس وجن ودبيب وكلب. وذلك بما أثبتناه من صحيح القول المنقول عن الرواة الثقات والموروث عن أولاد الكلب الكلاب. و كدت أشرع في الحديث عن صلاح الزول الضارب فى أعماق التاريخ الإسلامي. ولكن! حدث ما حدث بمدينة كولون الألمانية، استوقفنى وحرك فىَ مشاعر أخرى عادت بي إلى بدايات عهدنا بأوروبا، حيث كانت تجربتنا الأولى على ضفاف نهر الدانوب في بلاد الهنقار أو المجريين. وقتها لفت نظرى أنهم ما كانوا يفهمون ما تعنيه كلمة إسلام ومسلمين. كانوا قد تعودوا على كلمة المحمدانيين، أى أتباع محمد. وكان ذلك مما يغيظ صديقى أحمد…. السودانى، فينفعل غاضباً وواصفاً إياهم بالكفرة الفجرة أعداء الإسلام والمسلمين.
كنت أقول له: على مهلك يا صاح!!! ما الذي يحملك على المكوث بينهم وأكل العيش معهم ونهل العلم منهم؟
البروفيسور جرمانوش جولا (عبد الكريم جولا)، عليه رحمة الله، كان المسلم الوحيد في بلاد الهنقار في ذلك الزمان من أواخر سبعينات القرن الماضى (مبلغ علمى). امتد به العمر حتى قارب المائة، وألف سفراً قيماً فى التعريف بحضارة الإسلام وأهله. كان بعض الأعراب يشكَون فى إسلامه ويهمسون فى أذاننا أنه من أبناء العم!!!
مات جرمانوش فى العام 1979 ووصى زوجته أن يدفن حسب التعاليم الإسلامية. رحمه الله رحمة واسعة وجعل من مؤلفاته وأعماله صدقة جارية تزيد من حسناته.
حزنت وقتها لوفاة العالم جرمانوش، و حزنت أكثر لحال قوم من المسلمين لا يسارعون فى فعل الخيرات كآل زكريا، بل تجدهم فى إصدار الأحكام المسبقة يتسارعون. إنهم كأعجاز نخل خاوية وزاهدين فى تحمل تبعات البحث والتقصى والإثبات، يسهرون وينامون حتى ضحى الغد.
صديقنا و زميلنا فى الدراسة بالاش مهالفى صار مسلماً بعد وفاة العالم جرمانوش بعدة سنوات. ولم يكن ذلك بسبب مخالطته من كانوا يصلون ويصومون (ليست هذه دعوة لعدم الصوم والصلاة)، بل هداه الله الى الإسلام عن طريق من كانوا معه يغنون ويلعبون. حفظوه الأغاني السودانية ولهجة الزول. تعاملوا معه بإحسان وما قصدوا يوماً أن يحولوه عن دينه. مهالفى أسس أول جمعية إسلامية فى شرق أوروبا الاشتراكية، وقام بترجمة معانى القرآن الكريم الى اللغة المجرية وتزوج من زولة وولد زولاً وزولةً، وما زال يردد جميل الأغانى السودانية كلما التقينا به.
ولكن ماذا حدث فى مدينة كولون الألمانية؟
فى برنامج ألمانيا هذا الصباح شاهدت فقرة خاصة ببناء مسجد حديث وكبير يتبع للهيئة الدينية التركية عوضاً عن المصلى القديم والذي كان من قبل مصنعاً. إلى هنا و الخبر عادى، وما هو غير عادى، أن الكنيسة الكاثوليكية فى كولون دعت المسيحيين لأن يتبرعوا لبناء مسجد المسلمين، وقد فعلوا وأحسنوا!!!
والجدير بالذكر أن المسلمين قد وقع اختيارهم على المهندس المعمارى المسيحى الذى بنى الكنيسة لكى يقوم ويشرف على بناء مسجدهم (وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان).
وكلمة أخيرة إلى صديقي أحمد: خليك زولاً نفسه طويل……… يا زول!!!
مقالات عبدالله شريف>>
error: Content is protected !!