عندما كانت الطائرتان التركيتان من طرازF16) ) ترسلان تحذيراتهما الى الطائرة الروسية من طراز ( سوخوى ) , وهى تقتحم المجال الجوى التركى المتاخم للمجال الجوى السورى , الذى تستبيحه روسيا , وتعربد فيه بطائراتها فى شبه سيادة جوية تامة , بل وأشبه بتمرين جوى , ومناورات بالنيران , وقياس مدى دقة قصف الأهداف , وتأثير النيران , واختيار الأسلحة والذخائرالجوية , دون أدنى اعتبار للخسائر الناجمة عن ذلك , آلاف الشهداء , والأشلاء الممزقة , وتدمير تام وتسوية للمبانى بالأرض , واشاعة الذعر والخوف دون تمييز بين المدنيين العزل الأبرياء , وبين (هاجس الإرهاب) الذى اعجزهم حيلة.
بينما كانت التحذيرات تتلاحق , دون انحراف ( السوخوى ) الى الجنوب كما طُلب منها , انطلقت الصواريخ جوجو لتردى الغرور الروسى , وتنهار المنظومة , وتندلع النيران فى الطائرة , فتهوى على أُم رأسها فى احراش جبال التركمان بريفى اللاذقية , وما كاد دخانها الداكن يتلاشى فى الفضاء , حتى ارتفعت وتيرة التصريحات , وردود الأفعال حتى لكأنها (من فرط تداعيها) سيناريوهات معدة مسبقاً.
اذ أعلنت تركيا أنها أسقطت طائرة روسية اخترقت مجالها الجوى , وفق قواعد الإشتباك المعتمدة لدى الجيش التركى , واتبعت الإعلان بخطوات دبلوماسية للسيطرة على زمام المبادرة , بإعلان حلف شمال الأطلسى بالواقعة , حتى ( يتهيأ ) لردود الفعل الروسى , بحسبان تركيا عضوا أصيلا فيه , وأى عدوان متوقع عليها هو بالضرورة عدوان على كامل الحلف , وكذلك اخطار بعض السفراء.
أما فى الجانب الروسى , الذى تُعتبر هذه الضربة الثانية له , بعد أن أسقط الجيش التركى طائرة روسية بدون طيار فى نفس المواجهة بتاريخ 16اكتوبر الماضى , ولكن ( السوخوى ) بالنسبة لروسيا (رمزية كرامة) صنعتها بعناية لتضاهى بها الطائرات الأمريكية F16 , ولذلك آذاها أن تخسر مواجهة جوية بهذه السهولة لصالح التكنولوجيا الغربية.
فأتخذت من هذه الحادثة نقطة لتعديل مسار العلاقات , وتفضى بما تجده فى نفسها , أو بالأحرى فى نفس (بوتين) الذى يطغى على الوضع الروسى كله , بمحض مزاجه الشخصى , وهو الذى بادر بالقول بأن سقوط الطائرة ستكون له عواقب وخيمة , ثم بادر بإصدار سلسلة من الإجراءات العقابية فى حق تركيا , منهــا منـع استيـراد البضائـع التركيــــة , ومنع اصدار تاشيــرات الدخول للأتراك , ومنع المواطنين الروس للسفر الى تركيا , وحتى الأندية الرياضية منعها من التعاقد مع أى لاعب تركى , وعدم اقامة معسكرات التدريب فى تركيا , وهكذا يحمل (بوتين) الأمر بعيداً الى خصومات شخصية مع الرجل الرمز (أردوغان) ويتهمه بأنه أسلم تركيا ( جعلها مسلمة ) , دون أن يعطيه أحد هذا الحق , لإعتبار أن نسبة المسلمين فى تركيا أصلاً 99% واردوغان جاء به الشعب التركى بوجه الديمقراطية الصريح , وليس بتدبير المخابرات والتمثيل الذى يتنقل به (بوتين) من رئيس , الى رئيس وزراء , ثم الى رئيس , فى تبادل (مشبوه) .
ثم تعمد ( بوتين ) تكثيف طلعات الطيران في جبل التركمان لإستفزاز تركيا , واستدراجها الى مواجهة بأعمال (صبيانية) لا تليق بدولة تنتمي للكبار , وتحتل مقعداً في مجلس الأمن , وتملك حق النقض .
أما أوردغان , فقد اكد , وبهدوء , أن الطائرات الروسية هي في عداد المفقودين , اذا اقتحمت المجال الجوي التركي في اي لحظة , وأن العقوبات (المتهورة) التي لوحت بها روسيا ضد تركيا لا تسوى شيئاً , لأن تركيا أصلاً لا تقوم على تصدير البضاعة فقط , وأن تركيا أرادت أن ترد بالمثل ( بمنع البضائع والمنتجات الروسية في تركيا ) فلم تجد بضاعة غير (الفودكا , وبائعات الهوى) وكلاهما محرم عندنا في الإسلام .
بوتين (المتهور) لم يحسب أرقام حلف الناتو في معادلته , حيث تحرك الحلف , وأعلن ارساله لإسناد سريع لتركيا بمعدات دفاع جوي , ومعدات ثقيلة ، كما أكّد على حق تركيا في الدفاع عن نفسها ومجالها الجوي , على لسان ( الرئيس الأمريكي ) وهنا , تكون قشعريرة الخوف قد سرت في نفس (بوتين) , واستعاد وعيه بعد سكرته , وأنه يدرك ألا طاقة له لمواجهة حلف شمال الأطلسي , وأن روسيا بتدخلها في سوريا , هو تدخل ( يتفق ) ومصالح الناتو , بإعتباره موجهاً لنفس العدو (تنظيم الدولة) .
أما أن تجرؤ روسيا على تجاوز الحدود , فإنّ تركيا لها ظهير قوي , لن يقدر عليه (بوتين) , الذي يحمل ( أوزار الضعفاء) في سوريا , بتدمير المدن , والأسواق , وتجمعات المدنيين , في سقوط قيمي (إن كان لروسيا أصلاً قيم) وسقوط أخلاقي , وسقوط إنساني , قبل سقوط السوخوي التي علمتها تركيا أن تلعب بعيداً عن حُرُمات مجالها الجوي.
اللواء ركن (م) يونس محمود
مقالات اللواء يونس محمود>>
error: Content is protected !!