لمصلحة من تقتل البسمة في شفاه الشعب السوداني الصابر المحتسب؟ كان ذلك أول خاطر يقفز إلى ذهني وأنا أقرأُ أحاديث المشككين في بشائر كنوز الذهب التي أعلن عنها مؤخراً، والتي ملأت الناس أملاً وبشراً بغدٍ مشرقٍ ينهي حياة البؤس والضنك، ويطوي صفحة المعاناة التي لطالما اكتوى بنارها هذا الشعب.
قبل أن يخوض أصحاب الغرض، خاصة من ممتهني السياسة بكل أوشابها وقاذوراتها في أحاديث الإفك. قرأت عبر وسائط التواصل الاجتماعي بيانا من شخص خلع على نفسه لقب خبير ومستشار جيولوجي لوزارة المعادن السودانية بموسكو، ومنسق للجنة الحكومية السودانية الروسية يسمى د.محمد أحمد صابون أعلن فيه عن استقالته من عمله في الوزارة بعد أن قال في الشركة الروسية التي أعلنت عن الاكتشافات الأخيرة ما لم يقل مالك في الخمر، حيث زعم أنها ليست مؤهلة ولا مدرجة في بروتوكول التعاون المبرم مع روسيا، وشكك في هوية الشركة وتحدث عن تضارب في اسمها كما قال إن الشركة تتحدث عن أرقام فلكية وأرقام خرافية لا يمكن تصديقها، ولا توجد حتى في كتب الخيال العلمي. واستنكر أن يتم تجاوزه رغم أنه مستشار وخبير جيولوجي يفترض أن يتم استقطاب الشركات الروسية عن طريقه ولكي يضفي على نفسه شيئاً من المصداقية صدر بيانه بعبارة (الساكت عن الحق شيطان أخرس)! وللعلم فإن صابون هذا يقيم في روسيا ويحمل جنسيتها.
تزامن مع ذلك البيان الذي نشطت أسافير الدنيا في الترويج له في إطار حملة منظمة مكنت من نشره كما النار في الهشيم، وكان للسياسة – لعن الله السياسة عندما تتجرد من الأخلاق وتقتات على جراحات الوطن – .. أقول كان للسياسة دورها في تأجيج الحملة المعادية وجاء مغبون آخر بتنسيق محكم ليصب الزيت على النار التي أشعلها الخبير المزعوم (صابون)، وللأسف فقد كان ذلك المغبون وزيراً للمعادن وجيولوجيا (كمان)!
بالرغم من القوة الظاهرية للحيثيات المثارة من المستشار المزعوم صابون، إلا أن أول ما (نفس) بالونة الهواء انكشاف كذبه فقد اتضح أنه ليس مستشاراً للوزارة، وإنما مجرد مغبون آخر كان يسعى لفش غبينته على جثة الوطن المكلوم، وأن مزاعمه مجرد تخرصات جوفاء فقد أطلعت على العقد المبرم معه والموقع بتاريخ 2014/12/1، حيث ينص على الآتي:
يسري هذا العقد حتى 2014/12/1 ويجدد باتفاق الطرفين كتابةً، وذلك اعتباراً من تاريخ التوقيع عليه.
إذن فإن عقد صابون هذا كان لمدة شهر واحد فقط ولم يجدد وبالرغم من ذلك زعم بعد الإعلان عن الاكتشافات الأخيرة أنه قد استقال من منصبه المزعوم احتجاجاً على تجاوز الشركة له وعدم إشراكه في أعمالها ومباحثاتها مع الجانب السوداني.
الأمر الآخر الأكثر إيلاماً في قصة هذا المستشار المزعوم، أن الرجل على خلاف مع الوزارة بعد أن تقدم بطلب لمنحه تصديقاً للتعدين في الذهب عبر شركته الخاصة، ورفض طلبه لعدم استيفائه الشروط، وقد أطلعت على خطاب الاعتذار الذي أرسلته اللجنة الفنية للتعدين لشركة صابون بتاريخ 2015/5/14 الأمر الذي يكشف مقدار الحنق والغضب الذي حرك الرجل وجعله ينفث أحقاده ضد وطنه انتصاراً لنفسه الأمارة .
دعونا نستعرض بعض ادعاءآت صابون، فقد شكك في مؤهلات الشركة الروسية التي أعلنت عن الاكتشافات الأخيرة، لكن الرجل خلط بين الشركة الروسية وبين اسم العمل الذي تعمل من خلاله في السودان بموحب النظم المعمول بها في البلاد، فقد سجلت الشركة الروسية اسم العمل (سيبريان) الذي ستعمل به في السودان أما تلك الشركة فإنها على عكس ادعاءآت صابون كانت ضمن الشركات الروسية التي صحبت الوفد الرسمي الروسي في ديسمبر 2013 برئاسة الوزير الروسي دونسكوي وهي من أضخم الشركات المنتجة للنحاس والنيكل في العالم.
فيما يتعلق بالتشكيك في الامكانات التي وفرت لتحديد الاكتشافات اتضح أن الشركة وقعت عقدها في منتصف 2013 وظلت تعمل لأكثر من سنتين في السودان من خلال الأجهزة والتقنيات الحديثة بما في ذلك الأقمار الصناعية، وكذلك من خلال أخذ 666 عينة أرضية واخضاعها للفحص الدقيق .
أكثر المطمئنات أن الشركة التزمت بسداد قرض بلغ خمسة آلاف دولار خلال شهرين بضمان الاحتياطي من المعدن المكتشف، كما أن نصيب حكومة السودان يبلغ 75% من الأرباح مما يمكن السودان من أن يكون له الدور الأكبر في إدارة الشركة المنتجة.
بالرغم من أن الشركة الروسية التزمت ببرنامج زمني للإنتاج حدد تاريخ 9/20 لوصول البعثة الجيولوجية من الخبراء فقد قررت الشركة، رداً على الحملة المضادة، التعجيل بإرسال تلك البعثة التي من المقرر أن تصل اليوم الأحد حسبما أكد الوزير الكاروري.
نسأل الله لبلادنا أن يرزقها ما يرفع شأنها بين الأمم، ويعوض هذا الشعب الصابر عن صبره الطويل إنه سميع مجيب ووصيتي لكتيبة وزارة المعادن أن يبذلوا غاية الجهد من خلال الرقابة اللصيقة لأداء الشركة حتى يحيلوا هذه الآمال العراض إلى حقيقة نراها رأي العين في القريب العاجل.
الطيب مصطفي
error: Content is protected !!