وكالة سودان برس

sudanpress وكالة سودان برس

مقالات د. عثمان الوجيه

اْخر فبركة هوليود “الكذبة الجيدة” فتيان السودان الضائعون في فيلم مرتبك يبحث عن أرض الأحلام! … “د. عثمان الوجيه”

 قطعوا آلاف الأميال مشياً في الصَّحارى والغابات هرباً من الموت وبحثاً عن الأمان. دفعهم الجوع لقتال ضِباع وأُسُود تنافساً على جِيَف حيوانات. شاهدوا جثث بالغين قتلتهم الحروب الأهلية طافية في أنهار أفريقيا. عبروا حدود دول عديدة بلا أوراق ثبوتية أو أموال. هم فتية جنوب السودان الضائعون، التسمية التي أطلقها الإعلام الغربي على جيل أطفال الحروب الأهلية السودانية التي تفجرت في الثمانينات من القرن الماضي. الجيل الذي قصمت الحرب بين الجنوب والشمال السودانيين حياته وما زال العالم لا يعرف عنه إلا القليل، اذ يبدو أنه كان يحتاج الى حضور «السينما» حتى يكتسب من جديد الملامح والوجه والهوية. وتجلت هذه «السينما» أخيراً في نتف عن حياة ذلك الجيل قُدِمت في الفيلم الروائي الأميركي «الكذبة الجيدة»، الذي يستلهم قصص لاجئين سودانيين يعيشون في الولايات المتحدة، بعد أن قضوا سنوات طويلة في مُخيمات اللجوء الأفريقية .. يجمع هذا الفيلم الأميركي بين إتجاهات وعناصر فنيّة مُتباعدة عدة، ستربك بالتالي هويته. فمخرجه فيليب فالاردو، هو كندي له أفلام سابقة قريبة من الحساسية والبناء الفنيّ الاوروبين (آخرها «مسيو لازهر»)، يبدو مشتتاً بعض الشيء في عمله على هذا الفيلم، في الوقت الذي يقارب الفيلم فيه وبسبب سيرة كاتبته الأميركية مارغريت نايجل، المعروفة في عالم الشاشة الصغيرة، أعمال التلفزيون الأميركي العاطفية ذات النيات الطيبة. كما أن الفيلم الذي يندرج تحت أفلام السينما المستقلة الأميركية بخصائصها المعروفة، هو من بطولة واحدة من أبرز نجمات هوليوود اليوم (ريز ويذرسبون). هذه المفردات التي لا تجتمع كثيراً، جعلت هذا الفيلم يبدو كقطع متناثرة، بعضها مُحكم التنفيذ وصادق، في حين بدا البعض الآخر تعليمياً تحكمياً، او كأنه مُقتطع من أفلام عدة اخرى .. ولعل أُولَى عثرات هذا الفيلم، هو رغبته الإستعادة الملحمية لحياة أربعة اطفال من جنوب السودان، متتبعاً إياهم من نشأتهم في القرية التي ولدوا فيها، مروراً عبر طريقهم المضني في أفريقيا، الى الولايات المتــحدة حيث يعيشون اليوم، مغطياً فترة تقـارب العشرين عاماً من الأحداث، وهي مهمة تتطلب رؤية فنيّة مُبتكرة لم يبلغها هــذا الفيلم. فبدا الجزء الأفريقي من العمل (صـــور في دولة جنوب أفريقيا وعرض الأهــوال التي عاشها الأطفال الأربعة أبطـــال الفيلم، والذين تاهوا فعلياً بعد مقتل ذويهم) أكبر من قدرات الفريق الفنيّ. اذ جـــاءت الشخصيات من دون تمهيدات كافية، وغلبت البدائية والعاطفية الشديدة على إداءات الأطفال. وهو الأمر الذي سيستمر الى معسكر اللجوء الذي يصلون إليه في كينيا ليقضوا هناك سنوات طويلة .. سيتحسن الفيلم عندما يصل الفتيان الى الولايات المتحدة. ربما لأن الجزء الأميركي كان الأساس في رؤية المخرج للقصة، فكان ما عداه مجــــرد تمهيد ذي طموح غير مـــدروس وكان يمكن الإستغناء عنه. إيقـــاع الفيلم سيتغير أيضاً، وستدخل الكوميديا الى العمل، لتخفف من قسوة وقتامة الحكايات المُقدمة. كما أن الفيلم في جزئه الأميركي، هو في قسم منه هجاء واضح لعزلة الأميركي العادي عما حوله من قضايا العالم، وعن تقصير الجهات الحكومية الأميركية في مساعدة اللاجئين الذين يصلون اليها، حتى أُولَئك الذي قامت بدعوتهم، كما حدث مع أبطال الفيلم .. تلعب النجمة ريز ويذرسبون دور «كاري»، مُوظفة في مكتب لتشغيل العاطلين، والتي ستتولى البحث عن فرص عمل للسودانيين الثلاثة، وبعدها تستضيف زميلتهم التي أرسلت في البداية الى مدينة أميركية اخرى .. ستكون الأميركية الغائصة في متاعبها الشخصية (وكما يحدث غالباً في هذا النوع من القصص)، الممر للمشاهدين الغربيين للتعرف حقاً على قساوة حياة اللاجئ قبل أن يحل على البلدان المضيفة. في واحد من مشاهد الفيلم المؤثرة والمفــصلية، تفتش «كاري» عبر شبكة الإنتـــرنيت عن معلومات عن عنف السودان، فتعثر على صور حقيقية بالأسود والأبيض تظهر لاجئين من كـــل الأعـمار. المفارقة أن المشهد ذاك كان أكثر تأثيراً من المُقدمة الطويلة المُكلفة التي صورت في أفريقيا .. يجد فيلم «الكذبة الجيدة» في تقاليد السينما الأميركية المستقلة الفضاء الذي يسرد فيه حكايته. ستكون هذه السينما، بنفسها البطيء والتي طالما اهتمت بقصص المهمشين من الأميركيين، الساحة المثالية لعرض يوميات السودانيين في محطة حياتهم الأميركية. وبعد أن بدت علاقة الأميركيين بالأبطال موسومة باللامبالاة، تتطور الأحداث ليستحوذ السودانيون على الإهتمام، وتبدأ قصصهم بالتكشف، كما تتعثر حيواتهم، ويواجهون الأزمات النفسية الأولى، فالماضي لا يشاء أن يتركهم، وعلى بعضهم أن يُقدِم على تضحيات اخرى لتصحيح مسارات سابقة. كما ستتراجع الكوميديا في الجزء الأخير من الفيلم، وهي التي تركزت على تضخيم المفارقات بين البيئة التي أتى منها الأبطال ومُحيطهم الجديد .. وفي الوقت الذي تقترب سينما المهاجرين واللاجئين الأوروبية في العقد الأخير من أن تتحول لفئة خاصة لوحدها، يكاد فيلم «الكذبة الجيدة»، أن يكون الأول أميركياً في تقديمه قصة معاصرة عن مهاجري الشرق الأوسط، تتوزع أحداثها بين البلد الأصلي وبلد الإقامة الجديد. فلم تقترب السينما الأميركية كثيراً من الموضوع، عدا في أفلام المخرج الأميركي الإيراني رامين بحراني، والتي قدمت بعضها شخصيات مُهاجرة حديثاً من الشرق الأوسط ولم تجد طريقها بعد في حياتها في الولايات المتحدة (خصوصاً فيلميه الرائعين: «وداعاً سولو» و«رجل يدفع عربة»). لكن حتى مقاربة المخرج بحراني لم تشأ أن تفتح بتقليدية جراح البلدان الأصلية، بل ركزت على شقاء الحياة في البلد الجديد، فجاءت مُحرضة كثيراً عبر نفسها المعتم، والتزامها بمناخات السينما المستقلة الأميركية الذاتية، التي تضع هواجس شخصياتها المهمشة اجتماعياً في المقدمة. ولعل عدم رغبــة مخرجين أميركيين الخوض في قصــص اللاجئين الى بلدهم، يعود لمفاهيم المواطنة المُهيمنة هناك، والتي لا تعترف عموماً بالتواريخ الشخصية قبل الوصول الى «أرض الاحلام». فكل أميركي يحمل هو أو اسلافه أسبابه الخاصة للمجيء الى أميركا. وهذا ربما يُفسر اللامبالاة التي طبعت مُعاملة الأميركيين لسودانيي فيلم «الكذبة الجيدة» .. نعم .. الزميل العزيز –محمد موسى / بالحياة اللندنية- إنه حقيقة “كذبة جيدة !!” .. Good lie .. وعلى قول جدتي :- “دقي يا مزيكا !!”.
خروج :- أخجلني –الأصدقاء والزملاء والأحباب والمعارف والأهل- بتواصلهم معي بكافة وسائل التواصل –مبتهلين ومتضرعين ومشفقين ومواسيين ومستفسرين- عن صحتي –طوال / الأسبوعين المنصرمين- بعد وعكتي من –داء الكُلى / اللعين- ولكي أُطمئن الجميع أقول :- هانذا الأثتاء أتسكع في –شواطئ العجمي / بعروس البحر الأبيض المتوسط- وأسأل الله ألا يريكم مكروه ،، وكل عام وأنتم بخير .. ولن أزيد ،، والسلام ختام.
د. عثمان الوجيه / صحقي سوداني مقيم بمصر
drosmanelwajeeh@gmail.com – 00201158555909 – FACEBOOK + TWITTER + GOOGLE + SKYPE : DROSMANELWAJEEH

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!