وكالة سودان برس

sudanpress وكالة سودان برس

مقالات د. عثمان الوجيه

أنا عربي أنا مسلم أنا إرهابي أنا داعشي “حيث خلطت شارلي إبدو حابل فرنسا بنابل إسرائيل” ! … “د. عثمان الوجيه”

 ظللت أتابع لبضع أيام لكي أعلق على حادثة –شارلي إبدو / الفرنسية- ولكن ،، هيهات .. اعترف أنني لم أحب يوماً -كقارئ- جريدة «شارلي ايبدو» الفرنسية .. لكنني حيال الاعتداء الوحشي الرهيب الذي تعرضت له لا يمكنني إلا أن أتعاطف معها .. هذه الصحيفة الكاريكاتورية بلغت في السخرية والمماحكة والقدح مبلغاً يتخطى العرف الصحافي .. وغدت جرأتها في هتك المقدس ضرباً من المغامرة السافرة التي لا أفق لها .. بعض رسومها الساخرة من الخالق والمسيح لم يكن ليحتملها حتى الملحد .. ولم توفر الجريدة ديناً من الأديان التوحيدية والآسيوية ولا رمزاً من رموز المقدس ،، ولم تأبه لآراء الأفراد والجماعات ولمشاعرهم الداخلية ومواقفهم السياسية .. لم نعتد في العالم العربي مثل هذه الصحف .. هذه الجريدة ما كانت لتقوم لولا الحرية المطلقة التي تنعم بها فرنسا .. الحرية التي تسمح للمرء أن يكون ما يشاء وأن يقول ما يشاء ولو تجاوز في أحيان مشاعر البشر ،، أجل مشاعرهم التي باتت في نظر بعضهم نافلة ولا قيمة لها .. لم تكن رسوم «شارلي ايبدو» تعرف حداً في سخريتها ،، فهي على يقين أن الكاريكاتور فن يتجاوز حواجز الدين والتابو أو المحرم والمعتقدات ،، ولا مانع من أن يواجه هذا الفن ثقافة «المقدس» انطلاقاً من نزعته «الدنيوية» .. وفات الصحيفة أن «المقدس» و»الديني» اكتسبا تاريخياً معناهما من خلال تعارضهما مع «الدنيوي»، وأن النفس الإنسانية دينية بطبيعتها ،، كما يقول كارل يونغ .. لم يحتجّ المسيحيون ولا اليهود في فرنسا علانية على رسوم هذه الجريدة .. اعتادوا ألا يبالوا بها على رغم صلافة بعض الرسوم وقسوتها و»إرهابها» المجازي .. فالرسوم بنظرهم ليست سوى رسوم ولن يكون لها أثر على جوهر الدين .. ولم توفر الجريدة الإسلام ولا البوذية ولا الهندوسية وسواها .. هذا هو الهتك في مفهومه اليومي والسطحي والعابر ،، غايته الإضحاك والهزء ولو على حساب الآخرين ومعتقداتهم وقناعاتهم .. هتك متطرف ،، قاس ،، عابث ،، لاه ،، مستبد .. لكنه غير عنصري وغير طائفي وغير فئوي .. ولم يكن مستغرباً أن يطاول اليمين الفرنسي المتشدد في تطرفه .. لم تثر هذه الصحيفة على رغم شعبيتها ورواجها ،، حفيظة الكنيسة رسمياً ولم يسع يهود فرنسا إلى إلقاء تهمة اللاسامية عليها لا سيما أنها تحاشت التطرق إلى «المحرقة» .. أما المراجع الإسلامية الرسمية في فرنسا فلم تمنحها كبير اهتمام ،، على رغم امتعاضها من سخريتها المسيئة إلى الإسلام .. مثل هذه السخرية الجارحة لا تواجَه إلا بالصمت والتغاضي وغض النظر .. لكنّ هذا الموقف المتسامح نظرياً لم يمنع جمعيات كثيرة مسيحية ويهودية ومسلمة من اللجوء إلى المحاكم لمقاضاة الصحيفة أمام المحاكم التي اعتادت المثول أمامها ،، وهي نادراً ما تمكنت من مقاضاتها .. ولكن .. تحوّلت باريس أمس الأول ،، إلى عاصمة مناهضَة الإرهاب في العالم ،، اذ شهدت مسيرة تاريخية تكريماً لضحايا الإرهاب الذي ضربها ،، اجتاح خلالها الفرنسيون المسافة الفاصلة بين ساحتَي «لا ريبوبليك» و»لا ناسيون» ،، والتف حولهم قادة محليون وحوالى 70 شخصية عربية وعالمية .. وقُدِّرت الحشود في فرنسا بأكثر من 3 ملايين وقدّر منظمون أن حوالى 1.5 مليون شخص شاركوا في مسيرة باريس ،، فيما تحدثت وزارة الداخلية عن تعبئة «تُعتبر سابقة» .. وفي مدن فرنسية أخرى تظاهر اكثر من مليون شخص ،، بينهم أنصار حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف الذي قاطع تجمّع العاصمة احتجاجاً على امتناع رئيس الحكومة مانويل فالس عن دعوة «الجبهة» رسمياً .. وقدّرت وكالة «فرانس برس» المشاركين في التظاهرات بحوالى 3.3 مليون .. وشهدت مسيرة باريس مشاركة فرنسيين من كل المعتقدات والأوساط ،، صغاراً وكباراً ،، أعلنوا بصوت واحد «لا للإرهاب» ونعم «للحرية وحرية التعبير» .. وعبّر المتظاهرون ،، بهدوء وخشوع ،، عن تمسكهم بقيم جمهوريتهم والعيش المشترك ،، اذ أنشدوا النشيد الوطني بصوت واحد وأطلقوا بالونات بيضاء وأعلاماً ،، متدافعين على شكل أمواج بشرية ،، وسط غياب للشعارات واللافتات السياسية ،، مجسدين تلاحماً شبّهه كثيرون بالأجواء التي سادت البلاد غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية .. ووسط تدابير امن استثنائية ،، تصدر المسيرة ذوو الضحايا ،، وسارت وراءهم الطبقة السياسية وشخصيات عربية ودولية ،، أمسك عدد منهم بأيدي بعضهم بعضاً .. وتوسط المشاركين الرئيس فرنسوا هولاند الذي اعتبر أن «باريس هي عاصمة العالم» أمس ،، والى جانبه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وزوجته الملكة رانيا ،، والرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الشؤون الخارجية السعودي نزار بن عبيد مدني والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي ،، إضافة إلى نتانياهو والمستشارة الألمانية أنغيلا مركل ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف .. وشهدت دول أخرى تظاهرات تضامن مع فرنسا ،، بينها بلجيكا وألمانيا وإسبانيا وأستراليا والسويد وبريطانيا واليابان والولايات المتحدة ،، وكذلك مدينة رام الله في الضفة الغربية .. نعم .. لا غرابة في حجم المشاركة الدولية الواسعة التي شهدتها المسيرة التاريخية في باريس أمس .. لم يعد باستطاعة أحد تجاهل حجم المشكلة وحجم الأخطار .. ولم يعد باستطاعة أحد الزعم بأن المشكلة تخص الآخرين ،، وأن بلاده ستبقى بمنأى عن هذا العنف المجنون .. عبّر حجم المشاركة الدولية عن تزايد القناعة بأن العالم ينزلق نحو حرب عالمية ثالثة إن لم يكن انزلق إليها فعلاً .. للوهلة الأولى يبدو تعبير الحرب العالمية ضرباً من المبالغة .. فنحن لا نرى جيوشاً كبيرة تتطاحن .. ولا نرى خطوط قتال تتوزع على جانبيها آلاف الدبابات والطائرات .. إنها حرب عالمية مختلفة عن الحربين اللتين روّعتا العالم في القرن العشرين .. حرب متعددة المسارح ،، تشنّها مجموعات صغيرة تنتمي إلى جيوش صغيرة .. وأخطر ما في هذه الجيوش أنها ترفض فكرة الحدود الدولية كما ترفض فكرة التعايش بين المتحدّرين من ينابيع مختلفة .. حرب مختلفة لأنها لا تدور في عالم الدول المقفلة والحدود الصارمة والمعسكرات المرسومة بوضوح شديد .. حرب يمكن أن تدور على حدودك ،، أو في عاصمتك ،، أو في مطارك ،، وأحياناً يكفي انتحاري واحد ليهز الاستقرار ويشيع الرعب .. حرب مختلفة تماماً .. ليست هناك دولة في العالم تستطيع مراقبة كل مصادر الأخطار ،، أو حماية كل الجسور والمرافق المهمة والمعالم البارزة .. ثم إن الجيوش الصغيرة العمياء يمكن أن تضرب متجراً أو مدرسة أو عابري سبيل .. ليس بسيطاً ما شهده العالم أخيراً .. سكاكين تحز الأعناق ،، وسيارات مفخخة تستهدف أعراساً وجنازات ومصلّين .. مسلحون جوّالون ينتهكون سيادة دولة وينفّذون أحكاماً بالإعدام على أرضها .. يحاولون تغيير نظامها ونمط عيش أهلها .. وكلما تراجع وجود السلطة المركزية في بقعة ،، تحوّلت معسكر تدريب ومصنع كراهية ،، ثم بدأت بتصدير الموت إلى المناطق القريبة والبعيدة .. يدفع العالم اليوم ثمن ممارسات رجالٍ فاشلين وسياسات فاشلة .. ثمة رجل فاشل اسمه باراك أوباما .. من حقه أن يعيد الجنود الأميركيين من الحروب التي أرسلهم إليها سلفه جورج بوش ،، لكن من واجبه أيضاً أن يتذكّر المسؤولية الدولية للقوة العظمى الوحيدة .. غادرت قواته العراق من دون أن يوفّر ضمانات الحد الأدنى لتفادي النزاع المذهبي الذي لم يكن سراً .. الطريقة التي تعاطى بها مع النزاع الدموي في سورية لم تتصف بالمقدار اللازم من المسؤولية أو العقلانية .. سلوك إدارته كان بين الأسباب التي أتاحت سيطرة المتطرفين على جزء واسع من الأراضي السورية وإطلالة «داعش» من الموصل .. ثمة فاشل آخر لا يمكن تجاهل مسؤوليته ،، على رغم ما دبّج من كتابات عن ذكاء القيصر الجديد .. سمعتُ أيضاً سيلاً من الإشادات بذكاء وزير خارجيته سيرغي لافروف من رجال عملوا معه .. يمكن القول أن فلاديمير بوتين كان بارعاً في الثأر من أميركا ،، ورداً على ما اعتبره إهانة أطلسية لبلاده في ليبيا .. لكن بوتين لم يتصرف بالتأكيد بموجب المسؤولية الدولية التي يحتّمها موقعه .. بدا زعيماً شرهاً أكثر بكثير مما بدا زعيماً يُدرك حجم مسؤولياته الدولية .. الدم السوري يلمع على أصابع بوتين كما يلمع على أصابع أوباما .. لم يكن يحق لهما ترك سورية تغرق في هذا الجحيم ،، فيما يتدفق المقاتلون الجوّالون إلى أراضيها مستفيدين من رغبة السلطان التركي في الثأر .. يدفع العالم اليوم ثمن فشل دول الشرق الأوسط الرهيب في الانتماء إلى العصر ،، سياسات قديمة رُسِمت بحبر الاستبداد .. وأنهار من الكراهية للآخر المختلف .. وعقود من التحريض والمدارس المتعصبة .. فشل اقتصادي وظلم واستبداد وأزمات هوية حادة سهّلت للمتعصبين خطف الجامعات والشاشات وانتزاع حق التحدث باسم الجموع .. إننا في بدايات الحرب العالمية الثالثة .. وهي مسؤولية دولنا قبل أن تكون مسؤولية الغرب وحلف الأطلسي .. حرب ستدور بالوسائل الأمنية والعسكرية والفكرية والأيديولوجية .. على الدول تحسس سياساتها وكتبها وخططها الإنمائية ،، وعلى قوى الاعتدال أن تتقدم الصفوف كي لا تكون الحرب الحالية أشدّ هولاً من سابقاتها .. قبل أن يلجمني بحجر في فييِّ “أستاذي / أيمن الحكيم – رئيس مجلس تحرير صحيفة (عاجل المصرية) له التحية” وهانذا أنقل بتصرف –لقارئي الحصيف- تساؤول جزء مما خطه يراعه لكوني أقدره “الرأي الراجح” :- (ألغاز ما بعد المذبحة : لماذا أخفوا جثتى سعيد وشريف كواشى .. وكيف ينسى قاتلان محترفان البطاقة الشخصية فى السيارة المسروقة ؟؟) إذاً نحن في عهد “تجريم الإسلام بذريعة –الإسلام السياسي / الإرهاب العالمي- !!” .. أجرح شخصاً بالصدق بدلاً من أن تسعده بالكذب – Offend people the truth instead of lying Tsaadh – وعلى قول جدتي :- “دقي يا مزيكا !!”.
خروج :- الليلة أنا ما عندي طرفة ولا يحزنزن .. لأني محبط من فوز “المؤتمر الوطني السوداني والحزب الوطني المصري –المتوقعين فوزهما / بالإنتخابات القدمة بعد أشهر- هنا وهناك !!” .. عشان كدة أنا عاوز أجهز نفسي من هسة لحدي يومي -23 مارس / 13 أبريل- المزمعين .. يا وليدي جيب لي من –الكومدينو- حبوب –الفيتامين- الضغط قام علي ،، ويا بنيتي جيبي لي من –التلاجة- حقن –الأونسلين- السكر ح يرميني ،، وعشان إستلهاباتي ما يعادوكم أفوتكم بعافية .. ولن أزيد والسلام ختام.
د. عثمان الوجيه / صحفي سوداني مقيم بالقاهرة : drosmanelwajeeh@gmail.com – 00201158555909

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!