وكالة سودان برس

sudanpress وكالة سودان برس

المكتبة الإلكترونية

كتاب البوصلة (كتابي عن التفوق) – “الواثق الصادق”

مقدمة
في يوم الأحد 12 نوفمبر 2006 و بعد أن فرغت من تدريس حصتي بمدرسة الأصفياء الخاصة لحقت بي طالبة اسمها (شيماء) و سألتني أن أنصحها و أساعدها في تنظيم جدول للمذاكرة ، ثم ما لبثت محادثتي معها أن تحولت لما يشبه المنتدى ، حيث ألتف حولي معظم الطالبات و كل واحدة منهن كانت تطرح علي مشكلة أو معضلة طالبةً الحل و الخروج من مأزقها ..
حينها شعرت حقيقةً بأن هذا الجيل من الطلاب يعاني معاناة كبيرة بحثاً عن إرشاد و توجيه نحو الطريق الأمثل و الأقوم لتحقيق طموحاته الأكاديمية على وجه التحديد.. فمع زحمة العمل و التنقل بين المدارس لم يعد متاحاً لكثير من الزملاء الأساتذة الكرام فرصةً لنصح طلابهم أو تقديم التوجيه لهم بشكل مستمر و نظامي،و غاية ما ينال منهم هو كلمة عابرة أو نصيحة عاجلة دون تدقيق أو تشخيص ، و لا ألومهم على ذلك فإن لهم من المبررات و الذرائع ما يدافع عنهم ..
ولعل ما يزيد حجم المأساة أن كثيراً من الطلاب لا يلتفتون بشكل كاف إلى نصائح ذويهم مهما كثرت و توالت و السبب في ذلك (نفسي) بالدرجة الأولى ، و كذا الحال في التعامل مع نصائح الأخوان أو الأخوات ، بينما يجد الطالب راحةً كبيرة في الحديث مع معلمه ، و التعامل مع نصحه ..
ترتيباً على ذلك لمعت في الذهن فكرة كتابة بعض الكلمات و النصائح لطلابي هي خلاصة تجربتي طالباً ثم معلماً ، و هي مجرد خواطر متفرقة و ربما تكون مبعـثرة
و لكني أرجو أن تفتح بعض النوافذ في هذا الدرب ، و أن تحرض المتخصصين من التربويين لإثراء المكتبة العربية بأبحاث و دراسات تغطي هذا الجانب المهم من العملية التعليمية ، و قد اطمأنت نفسي بتسميتها (البوصلة) لما أطمع أن تلعب من دور توجيهي لكل راغب و طالب ..
و يطيب لي في بداية هذه الكلمات أن أزجي الشكر لفضيلة مولانا محمد المجذوب الحاج علي ، مدير مدرستنا (القضارف القديمة الثانوية) ، الذي كان أول من دفعني في درب التدريس و التعليم حين طلب مني تغطية النقص في مادة اللغة العربية و أنا آنذاك في السنة الأولى بكلية الهندسة في جامعة الخرطوم ، حيث زرته في فترة عطلة أثناء العام فأمرني بذلك تأدية لضريبة المدرسة كما سماها و قد كانت تجربة رائعة لطالما استفدت من عبرها و فوائدها ..
و أشكر كذلك أستاذي حسن الأمين محمد خير الذي جدد الأشواق، و جر الأقدام إلى نفس الحقل بعد سنوات من التجربة الأولى لما دعاني لتدريس مادة علوم الحاسوب في ثانوية النخبة الخاصة في عامها الأول ، فبالرغم من أن التدريس ليس مجالي الأصيل إلا أنني استمعت بكل لحظاتي فيه حيث يلتذ المرء بتعهد نبت المستقبل و رعايته ، فأنعم بها من مهمة ، و أكرم بها من وظيفة ..
و لا يفوتني أن أشكر زميلي الأستاذ أزهري باشري مدير ثانوية النخبة و الأستاذ الطبيب إدريس جلال و هما من القلة النادرة في هذا الحقل التي تهتم بالتفوق و المتفوقين اهتمام توجيه و إرشاد و رعاية و كشف و تمحيص و قد كانت لي معهما تجربة رائعة في ثانوية النخبة و عبر برنامجي (نوابغ) الذي قدمته لستة أشهر بتلفزيون الخرطوم فأرجو منهما أن يواصلا المسيرة دونما إنقطاع و أسأل الله أن ينفع بهما ..
كلمة السر الأولى
الغرض من هذه الكلمات هو أن يصل الطالب إلى منتهى التفوق الأكاديمي و يحقق مبتغاه ، و حلمه في هذا المجال المهم و الذي يحدد ملامح المستقبل المهني و الاجتماعي و العاطفي بدرجة كبيرة خاصة في السنة الثالثة الثانوية ..
و لن يدخل داخل إلى عالم التفوق و التميز و الامتياز إلى بكلمة السر الأولى ألا و هي الهمة العالية .. و هي ليست كلمةً ذات جرس و موسيقى و وقع حسن في النفس ، و إنما هي الإرادة القوية و العزيمة النافذة و التصميم المتين على بلوغ الهدف الذي نريد .. فلن تكون الأهداف ذات معنى إلا بهمة عالية و عمل جاد ..
و لقد فوجئت حقيقةً بدنو الهمة و سفولها عند غالبية الطلاب في هذا الزمان ، فتجد أن غاية أمانيهم النجاح على أدنى مستوياته أو تفادي الرسوب ، أو تحقيق نتيجة متوسطة تساعدهم على دراسة مجالات يرغبونها على أن يكمل ذلك مبلغ كبير تدفعه الأسر و ربما تقتطعه من لقمة العيش ..
فقلما تجد طالباً أو طالبةً ترنو نحو المراتب الأولى في الشهادة السودانية أو تحقيق رقم قياسي في تأريخ النتائج المحرزة في ذات الامتحان، وهذا لعمري أساس البلاء و أصل المشكلة .. فقد جاء في الحديث (إن الله يحب معالي الأمور و يكره سفاسفها ) لذا كان من رحمته أن جعل من طبيعة البشر و فطرتهم حبهم و نزوعهم للسمو و العلو ، و لكن يدخل على الناس من تربيتهم الخاطئة و البيئة غير الصحية التي يشبون فيها ما يضعف هذا العزم في نفوسهم و يزحزحه عن أفئدتهم و هذا حاصل و مشاهد ..
و ربما يعتذر بعض الطلاب أن إمكاناتهم العقلية لا تتيح لهم التفوق ، وهي حجة داحضة مردودة لا يسندها منطق سليم ، فالواجب على كل صاحب هدف أن يرفع إمكاناته لتوازيه لا العكس ، فالمشاهد الآن أن البعض يعتذرون بأن طموحاتهم قدر إمكاناتهم و هذا خطأ كبير .. و أنفس ما قرأت في هذا المعنى ما قال الجنيد (ما طلب أحد شيئاً بجد و صدق إلا ناله ، فإن لم ينله كله نال بعضه ) ..
فأول ما يجب أن نضعه في تصورنا إمكانية تحقيق أهدافنا طالما أننا ندفع ضريبتها، فكل ما حققه شخص من قبل بإمكانك تحقيقه إن سلكت ذات الطريق و زدت عليه ..
فليس ثمة مانع أمام طالب ليحقق المركز الأول على السودان إلا همته الضعيفة و استسلامه الخانع ..
و قديماً قال المتنبي :
و لم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام
وحتى لا تعتذر بقدراتك الذهنية المحدودة ، و ذاكرتك الضعيفة ، تذكر أن للذاكرة البشرية قدرة كبيرة على استيعاب مليارات المليارات من المعلومات قدرها بعض العلماء بالرقم واحد وإلى يمينه 79 صفراً !! ومع أنه يستحيل على الإنسان استرجاع كل هذا العدد الهائل من المعلومات فإن ما يستطيع استرجاعه يكفي لملء 90 مليون مجلد ضخم ويضاهي هذا العدد من المجلدات أضخم مكتبات العالم في العصر الحاضر ولو تم صف هذه المجلدات جنبا إلى جنب لشكلت خطاً يزيد طوله عن 450 كيلومتراً..
و قد ذكر الطالب النبيه محمد سمير الأول على الشهادة عام 2002م أنه كان طالباً عادياً يحرز نتائج متوسطة حتى الصف الثالث الثانوي ، حيث شمر عن ساعده و كشر أنياب قدراته و طاقاته فأحرز أعلى نسبة في الشهادة السودانية حتى الآن بلغت 98% ..
و ليس أدل على أن المرء ينال ما يطلبه إن سعى إليه بقوة و إخلاص من قصة كافور الإخشيدي الذي دخل مصر عبداً ليباع في سوق النخاسين ، و بينما هو كذلك سأل رفيقاً له عن أمنيته ، و هما في ذات الظرف و ذل الرق ، فقال رفقيه: أتمنى أن أباع إلى طباخ لآكل ما شئت متى شئت ، و هي بلا شك أمنية وضيعة و لكنها قد تكون موضوعية في نظر البعض قياساً بظرفه .. أما كافور فقال: أما أنا فأتمنى أن أملك هذه البلاد .. عبد في سوق النخاسين يتنافس الناس لشراء حريته و هو يتطلع لحكمهم ، ولكن مرت السنون و بيع كافور لقائد في الجيش علمه أصول الجندية حتى صار فارساً مغواراً ثم قائداً عظيماً ثم ملكاً لينال ما تمنى بينما صاحبه في مطبخ..
و كلنا يعلم أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك كان يعمل نادلاً في مطعم بأمريكا بينما كان الرئيس البرازيلي الحالي (لولا) ماسح أحذية ..
و لعل ذلك من عدل الله و حكمته .. أن يمنح المرء بمقدار كده و قديماً قيل :
بقدر الكد تكتسب المعالي و من طلب العلا سهر الليالي
و المتتبع لمسيرة كل المتفوقين في كافة المجالات يجدهم من ذوي الهمم العالية و النفوس الكبيرة على اختلاف أقطارهم و أعراقهم و أديانهم ، فقد أثر عن إنشتاين قوله ( لطالما تخيلت الجنة مكتبة كبيرة ) ، فهو يرى النعيم في القراءة و الإطلاع و البحث و التنقيب .. و أروع من ذلك قول الزمخشري :
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي من وصل غانية و طيب عناق
و تمايلي طرباً لحل عويصة أشهى و أحلى من مدامة ساقي
و صرير أقلامي على أوراقها أحلى من الدوكاه و العشـاق
و ألذ من نقر الفتاة لدفها نقري لألقي الرمل عن أوراقي
أأبيت سهران الدجى و تبيته نوماً و تبغي بعد ذاك لحاقي؟
و من تمعن في البيت الأخير يعلم أن هذا الأمر يحتاج إلى جهاد و مصابرة و لا يستوي فيه الناس و إنما يتفاوتون بقدر الجهد و الصبر و الاجتهاد و هذه سنة ماضية لا يشذ عنها أحد .. فليست المسألة مجرد أماني و حكايا نتسلى بها و أحلام تأسرنا و نهيم بها و إنما سبيل العلم و التفوق شاقة و صعبة ، و لكن أصحاب الهمم العالية تهون عليهم في المعالي نفوسهم و يلتذون بما يلقون من الصعاب في هذا الطريق الذي يقود إلى المجد فقد قال ابن الجوزي ( لقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل لأجل ما أطلب و أرجو )
و من الطبيعي أن تفتر الهمة أو يخور العزم بمرور الوقت، و لكن ينبغي أن نجدده كلما بلي في النفس .. و أن نتحلى بالشكيمة و الإرادة و أن نربط أنفسنا دائماً بأهدافنا العالية السامية حتى نجدد نشاطنا عند الحاجة ..
كما ألفت عناية زملائي المعلمين أن يهتموا بإلهاب حماس طلابهم و تشجعيهم على المضي في درب المعالي هذا ، و رفع روحهم المعنوية عند الكبوات العارضة و تحفيزهم عند التميز و الامتياز ، و ما زلت أتذكر موقفاً لمدير مدرستنا في الثانوية مولانا مجذوب عندما دعاني و أقراناً لي متفوقين إلى مكتبه ، ثم حدثنا عن جائزة وضعها لمن يأتي منا ضمن العشرة الأوائل على الشهادة السودانية ، فقد كان لتلك الكلمة سحرها المؤثر في و زملائي ، و زرعت في نفوسنا من الحماس ما الله به عليم ، فبعد أن كنا لا نفكر في هذه الأمنية مجرد تفكير صرنا نطاردها مطاردة قناص ماهر لطريدة نادرة ، وهذا لعمري يعكس ما تمتع به الرجل من خبرة و دراية و حنكة زادتها السنون إحكاماً ..
و خلاصة الخلاصة أن تتذكر دائماً :
– المرء حيث يجعل نفسه ..
– ينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه ..
– من علت همته طال همه ..
– كل داء في سقوط الهمم ..
– الطرق المفروشة بالورد لن تقودك للمجد ..
– الواجب ألا يبحث الإنسان عن أكبر لذة ، بل عن أشرف لذة ..
– إذا رضيت أن تكون دودةً على الأرض فلا تلومن من يدوس عليك ..
– روى الإمام مسلم ( لا ينال العلم براحة الجسم ) ..
حصنك الحصين
و اعلم رحمك الله أنه لا يفوز طالب بحاجته ، ولا يصل قاصد لمطلبه ، و لا ينال نائل ما يريد ، إلا بتوفيق من الله و فضل ، سواء كان ذلك من أمر الدنيا أو الآخرة ، حتى الجنة التي هي منتهى آمال المؤملين لا يدخلها نبي مرسل و لا صالح مقرب إلا برحمته عز وجل و إن أنفق عمره في طاعة الله و عبادته ..
فإن استقر ذلك عندك وجب عليك طلب التوفيق من مالك الملك الذي بيده الخلق و الأمر .. الذي لا يكون في هذا الكون إلا ما يريد هو و إن جد المجدون و تنافس المتنافسون .. ولقد لاحظت على جملة من طلابي البعد عن الله و شرعه و مراده مما ينعكس عليهم انتكاساً في الهمم و سفولاً في المطامح .. فأثر المعاصي على النفوس عظيم و جليل لا يخفى على ذي بصر و تأمل .. و قد أورد الإمام ابن القيم في سفره النفيس (الداء و الدواء) في هذا الباب فوائد جمة أرجو أن يرجع إليها في محلها .. وقد كان مما قال عن تلكم الآثار لمقارفة الذنوب و مبارزة الله بالمعاصي أنها تضعف الإرادة و العزم و تجلب النقم و المصائب و تطفيء نور العقل و تحجب الخير عن الإنسان و تطمس البصيرة و تنقص العقل و تنسي العبد نفسه .. و ليس بعد هذا من ضياع و هلاك .. و هذا قدر كل من يعصي الله و يعرض عن شرعه و سبيله المستقيم ، فإنه لن ينال مراداً من معالي الأمور إلا من قبيل استدراج الله له قبل إهلاكه ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون ) ..
و العاصي لا يقدر على التنافس في ميدان الخير و الفضل و الحياة الكريمة لأنه استحق مقت الله و غضبه .. فلن يكون بحال مثل المؤمن الطائع المنيب (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا سواء محياهم و مماتهم ساء ما يحكمون ) .. ( فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً و نحشره يوم القيامة أعمى ) .. فالمسلم الحق المخبت هو الفائز في الدارين بكل خير و رضوان و رفعة و أمان ..
لذا وجب على السالك لهذا الطريق أن يصل قلبه بربه و خالقه صلة حقيقية لا تنبت .. و إن حاد طرفة عين فسرعان ما يثوب إلى رشده غير متكبر ولا غافل ..
و بذلك ينال فرج الله عند الشدائد و تيسير الأمور العسيرة و الحياة الطيبة المترعة بالإنجازات و المرصعة بالنجاحات ( و من يتق الله يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب ) ( و من يتق الله يجعل له من أمره يسراً ) ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى فلنحيينه حياةً طيبةً )..
و من أجل ما يقرب الإنسان من خالقه الصلاة على وقتها ، حيث أمر الله بها و المحافظة على سننها الرواتب ، و أداؤها بخشوع كامل ، على هيئتها الصحيحة ، فذلك سبيل الفلاح و النجاح (قد أفلح من تزكى و ذكر اسم ربه فصلى) .. كما يلزمه كذلك ملازمة الذكر (لا يزال لسانك رطباً بذكر الله) فيحافظ على أذكار الصباح و المساء و غيرها من الأذكار على أحوالها المعينة في أوقاتها المحددة .. و أعظم الذكر تلاوة القرآن الذي يجب أن نقرأ منه ورداً معلوماً يومياً نداوم عليه بلا انقطاع لما له من عظيم الأثر في انشراح النفس و حضور القلب .. (و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين) ..
و الناظر إلى أحوال العلماء من السلف يجدهم أقرب الناس إلى الله لما استقر عندهم من أن العلم لا ينال إلا بتوفيق من الرب عز و جل ، لذا كان من أجل وصايا العلامة وكيع بن الجراح لتلميذه الإمام الشافعي ، الإبتعاد عن المعاصي ، و قد سطرها الشافعي الذي كان آية في الحفظ شعراً فقال :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
و قال اعلم بأن العلم فضــــل و فضل الله لا يؤتاه عـاص
(فضل الله لا يؤتاه عاص) يا لها من عبارة .. تأملوا فيها بالله عليكم و اعكسوا وقعها على أحوالكم و أفعالكم ..
و أعجب من ذلك ما روي عن العلامة ابن حجر الذي شرب ماء زمزم بنية الحفظ الدقيق فقال ( اللهم إني أسألك حفظاً كحفظ الذهبي ) و الذهبي المقصود هو الإمام الحافظ ذو الذاكرة المتقدة .. فانظر إلى من يشربها لعرض الدنيا الزائل ، و من يقصد بشربها معالي الأمور (ماء زمزم لما شرب له ) ..
و قد حكى والد الإمام النووي عن مسيرة ابنه العلمية .. معتبراً أن التغير الرئيس في فترة طلبه كان بعد عودته من الحج ، حيث ذكر أن العلم أصبح يصب عليه صباً .. و لعل ذلك من بركة هذا الركن العظيم (الحج) و ما فيه من نسك و مواقف و أحوال ..
فإن علمت هذا كله و جب عليك ملازمة الطاعة ما حييت ، لتنعم بحياة طيبة و مرد طيب في جنة الفردوس .. و ارفع يديك إلى من لا يغلق بابه و أظهر انكسارك في رحابه و ألق رحالك عند جنابه فإنه لا يرد عبداً لجأ إليه ..
فالدعاء عبادة و دواء و هو يرد القضاء ( لا يرد القضاء إلا الدعاء) ، فلنلزمه بقلب خاشع ، و نفس منكسرة ، و لسان ملحاح في أوقات الإجابة و أحوال القبول … و إذا علم الطالب منزلة الدعاء هذه في جلب المنفعة له و تبليغه مقاصده ، فإنه يجمل به طلب الدعاء من كل من يظن فيه التقوى و الصلاح من معارفه (دعوة المرء لأخيه بظهر الغيب مستجابة) ، و من ذلك تذكير الوالدين بالتضرع لله أن يسدده (دعوة الوالد لولده مستجابة) ..
و يجب أن يحذر العاصي من مكر الله إن كان قد أمهله و رفده بنعمة التفوق في العلم ، لأنه سرعان ما ينزعها منه و يغير حاله .. كما جاء في قصة العالم من بني إسرائيل و الذي نكث عن عهد الله و نقض ميثاقه فجعله رب العزة كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث .. ” واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون ”
و يجدر بي أن ألفت عنايتكم إلى تحري النية في طلب هذا العلم الدنيوي .. فبذلك ينال المرء أجراً ضعفاً على كل مكابدة أو رهق في طلبه هذا .. فليقصد بإجتهاده رفعة الأمة و تحقيق الخير لها لينال توفيقاً و سداداً و ثواباً غير منقوص ( قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين ) و ليتعهد هذه النية و يجددها متى استطاع إلى ذلك سبيلاً ..
و لما كان إيمان العبد متردداً بين الزيادة و النقصان بحسب الطاعة ، و لما كان المرء مجبولاً على الخطأ ،وجب عليه سرعة الإنابة و الرجوع متى حاد عن الطريق ، فإن ذلك من صفات المؤمنين المتقين {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون، وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون} … على أن تحسنوا الظن بملك الملك و لا تيأسوا من روح الله ، فإنه يفرح بعبده التائب المنيب ، و لا يطرد من بابه طارقاً أتاه سائلاً من عطائه غير المجذوذ و رحمته التي وسعت كل شيء ، فخلص نفسك الآن من ربقة المعاصي و اعزم على تجديد العهد مع ربك الرحمن من غير تسويف أو تردد ، و أبشر بحياة طيبة و نفس مطمئة و توفيق في جميع الأمور ..
الانطلاقة
عندما تكتمل عند الطالب الرغبة الجادة و الهمة العالية للتحصيل و التفوق ، و قد استعان بالله متوكلاً و متكلاً عليه متقرباً إليه بالطاعة .. وجب عليه أن يعرف الطريق و يستبين معالمه .. فيفهم من أين يبدأ ؟ و كيف يصل إلى منشوده ؟ وهذا لعمري تحد أخر و مفترق طرق ..
و لقد درجت على تقديم النصح لطلابي في بداية كل عام ، واضعاً أمامهم المعالم الرئيسة لدرب التفوق و التألق و الامتياز .. و كنت أقدم لهم وصيةً جامعةً مانعةً قطفتها من السفر الضخم (المستطرف) ، و قد أجريت عليها بعض تعديل و إعادة صياغة لتوائم الحال .. و هذه الوصية تلخص بلوغ المنتهى في العلم بأربع كلمات هي (الاستماع ، الفهم ، الحفظ ، المذاكرة) ..
فالسالك درب التفوق يجب عليه الانطلاق من الصف ، فمن هناك تكون البداية الصحيحة .. فيكون مستمعاً منتبهاً متيقظاً لا سامعاً لاهياً .. و ينبغي ألا يصرفه صارف عن التركيز على حديث معلمه و شرحه كما هو حال كثير من الطلاب الذين يتلهون بالدردشة مع مجاوريهم في المقاعد .. أو العبث بالأقلام و الأدوات و الهواتف الجوالة ، بل و بعضهم يستمع إلى أغانيه المفضلة عبر أجهزة متطورة صغير حجمها و يصعب تمييزها و كشفها و هذا هو أس البلاء و رأس المصائب ..
و نصيحتي ألا يسمح الطالب بأي قاطع يقطع عليه انتباهه لحديث الأستاذ حتى يصل إلى الفهم المستقر الذي يستعصي على النسيان .. و لكم تذكر طالب نبيه معلومة سئل عنها في الامتحان من حصة تيقظ فيها و انتبه ..
فإن لم يفهم نقطةً ما مع تركيزه ، وجب عليه سؤال الأستاذ في أدب عنها بلا حياء .. فقد جاء في الوصية النبوية ( ميمان لا يتعلمان .. مستح و متكبر) فالحياء آفة على العلم كما التكبر .. و الطالب النجيب لا ينفك عن الاستفسار و الاستفهام حتى يبلغ شأواً في الفهم و الإدراك ، لذا مدح الفاروق عمر بن الخطاب الصحابي الجليل عبد الله بن عباس حبر الأمة و ترجمان القرآن بأنه (فتى الكهول .. له لسان سؤول و قلب عقول) فالسؤال و النقاش مع المعلم يقود إلى استقرار المعلومة في الذهن.. و لا يفوتني هنا التنبيه إلى ضرورة التحلي بالأدب و الاحترام حال سؤال معلمك حتى ينشرح صدره للبيان و التبيين .. و أعلم من خلال خبرتي أن المعلمين يحبون الصفوف التي يكون طلابها مستمعين منتبهين ، و ينشطون لتدريسهم و إفادتهم و قد قيل (نشاط المتكلم بحسب إقبال السامع) .. ومن أميز من درستهم و قد تحلوا بذلك دفعة محمد عوض شبو بالمدرسة السودانية التركية و دفعة أحمد عبد السلام في حسونة الثانوية قبل أعوام فقد كانوا طلاب معرفة و أهل شغف و إقبال و لا غرو أن تميزوا و دخلوا كلية الهندسة بجامعة الخرطوم و غيرها من الجامعات.. و في هذا العام لابد من تسجيل إشادتي بطالبات الخرطوم النموذجية اللائي جسدن العزم و الحزم في بلوغ المعالي و الصبر و الاجتهاد في نيل المرام .. و كذلك طالبات ثانوية الأصفياء .. و طالبات السنة الأولى بثانوية النخبة الخاصة بنات ..
و الخلاصة أنه ينبغي للطالب لزوم حسن الإصغاء في الفصل .. و حسن السؤال عن كل مشكل و عويص .. فلا يخرج من المدرسة إلا و قد استوعب ما ألقى عليه في يومه فتلك خطوة مهمة تسهل ما بعدها..
العقبة
إن كان الاستماع و الاستيعاب مهماً في المدرسة فإن الأهم في البيت هو الحفظ و المذاكرة لما فهم .. و هذا امتحان عسير على النفوس التي تؤثر الراحة و الترفيه ..
و لا يتخطى ذلك إلا ذو نفس كبيرة ، فطمت عن اللذات الدنيئة و تعلقت بحب الفوز و كراهية الهزيمة ..
إذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
و لا يغني فهمك الدروس عن حفظها و مذاكرتها كما يظن بعض الأذكياء .. فإن المدارسة هي ما يرسخ ما فهمت في ذهنك ، و يسهل عليك استرجاعه متى رغبت بلا عنت أو مشقة ..
و لما كانت أكثر الأقدام تزل في هذه العقبة التي هي المنعطف الأهم ، وجب علي بيان السبيل إلى تخطيها تفصيلاً ..كيف نذاكر ؟
كثير من الطلاب لا يعرفون الطريقة النافعة و السليمة للمذاكرة الحقيقية التي تبلغ المرام و تحقق الأهداف .. لذا ربما تجدهم ينفقون الساعات الطوال في الدرس دون طائل أو نتيجة .. فواجب علينا أن نتعلم كيف نذاكر ؟
أولاً :الاستعداد
لابد من تهيئة المكان المحدد للمذاكرة بحيث يكون هادئاً و مريحاً .. و أنا بالطبع أتحدث عن مقعد و منضدة لا يعجز أحد عن الحصول عليهما .. فالجلوس هو الوضع الأساس للمذاكرة .. و أنا أردد ذلك لعلمي أن من الطلاب من يستلقي على ظهره في فراشه أو أريكته و يطالع دروسه كما يقرأ صحيفة يومية .. و هذه الطريقة إن أغنت عنك في مراحل سابقة صغرى فإنها لن تسعفك في هذا المقام ..
ثانياً : الحفظ بالكتابة
فإن أردت حفظ معلومة ما فإنك تقرأها و ترددها في نفسك ثم تكتبها مرة و مرتين ، ثم تكتبها من حفظك .. و الكتابة أجدى من الترديد في النفس أو الحفظ الشفهي و تعدل القراءة ثلاث مرات ..
ولابد من التنبيه في هذه النقطة إلى تبدل طرائق المذاكرة على اختلاف المواد .. فالمواد التي يغلب عليها التطبيق و المسائل كالرياضيات نكثر فيها من حل الأمثلة و التمارين و الامتحانات السابقة ، و نبذل جهدنا في جمع أكبر قدر منها و حلها بجدية قبل الامتحان حتى نكتسب السرعة و المهارة و الثقة .. و مع ذلك نجعل كراسةً صغيرة نستخرج فيها القوانين و التعريفات لنراجعها و نمر عليها بين الفينة و الأخرى .. و هذه الكراسة أوصى بها المهندس عمار كباشي الذي كان خامس السودان عام 1997م .. أما مواد الحفظ فلا نمل من تردادها و التسميع لما حفظنا كتابة ..
و لكن تحضرني تجربة لأحد زملائي و هو الطبيب يعقوب إبراهيم سعيد الذي حدثني أنه كان يذاكر مادة الأحياء يومياً عقب صلاة الفجر حتى تنقش في ذهنه .. و في ذلك استغلال لبعض الأوقات الصافية في تثبيت الحفظ و مراجعته ..
ثالثاً :التكرار
ينبغي ألا نكتفي بمذاكرة المعلومة مرة واحدة .. بل يلزمنا الرجوع إليها مرة بعد الأخرى حتى تلتصق .. و بتكرار المراجعة و المدارسة و المذاكرة يصل الطالب مرحلة بعيدة في فهم المادة و حفظها ، حتى يقوى على مراجعتها من أولها إلى آخرها في أقل من ساعة و قد شهدت ذلك و شاهدته في نفسي و بعض أقراني ..
و لعلك تلاحظ أن أكثر السور رسوخاً عندنا (الفاتحة) و ما ذلك إلا بالترداد و التكرار في كل ركعة و صلاة.
رابعاً : عناصر المذاكرة
يبدأ الطالب مذاكرته بدروس اليوم فيراجعها و يحفظها و يحل واجباتها .. و هذه وصية ذهبية فقد وقعها بكثرة الترداد ، فقل العاملون بها .. مع أنها تسهل على الطالب مراجعة الدروس و تجعلها يسيرة و محببة للنفس ..
ثم ينتقل إلى المادة أو المواد المحدد حسب جدوله الموضوع .. وهذه تحتاج إلى وقت أطول و دراسة متأنية و مراجعة مركزة .. و على كل طالب وضع برنامج و جدول لمذاكرة دروسه ،بحيث يقسم المواد على أيام الأسبوع ، فإن عجز عن وضعه بنفسه استعان بمعلمه أو من يثق بهم من أهل التجربة ..
ثم بعد ذلك و في أواخر الوقت المخصص للمذاكرة ينتقل الطالب إلى دروس الغد أي المواد التي سيدرسها في المدرسة غداً .. و لا أقصد قراءة التي لم يدرسها و إنما أقصد مراجعة ما درس من قبل في ذات المادة حتى يسهل عليه استيعاب الدرس الجديد ..
خامساً :مع من تذاكر؟
نصيحتي للجميع أن يذاكر كل فرد منهم منفرداً ، لما في ذلك من التركيز و الانصراف للمهم و الأفيد .. فالمذاكرة الجماعية قلما تأتي بخير .. و سرعان ما تتحول إلى أحاديث فارغة بين المذاكرين و تسلية خاوية .. و هذه من الآفات الضارة بالطلاب خاصةً أيام الامتحانات ، و ربما انجر لذلك بعض الطلاب المتفوقين تحت ذريعة الشرح لأقرانهم .. و أسوأ من ذلك المذاكرة (المختلطة) بين الطلاب و الطالبات كالتي تنظم في بعض الأحياء فتلك قاصمة ..
و لكن لا بأس أن يكون للطالب صديق مذاكرة ، يتبادل معه المذكرات و الامتحانات و المسائل و الفوائد ، على أن يكون من ذوي الهمة العالية و النفس الطموحة لينتفع به و يستعين ..بل إن مصاحبة الأذكياء النابهين هي أكبر معين على التفوق و النجاح و قد قال الدكتور خلدون الأحدب :
( و إذا نظرنا إلى أولئك الذين استفادوا من لحظات عمرهم ، و كان من نتاجهم و أثرهم ما يعجب أو يدهش ، نجدهم لا يصاحبون إلا المجدين العاملين و النابهين الأذكياء الذين يحرصون على أوقاتهم حرصهم على حياتهم ، لأن الزمن هو الحياة )
و العكس بالعكس ..فصحبة البطالين ذوي الهمم الدنيئة تجر على صاحبها السفول و التردد في مهاوي الضياع ، وقد لاحظت أن أكثر ما يضر في المرحلة الثانوية صحبة السوء التي تجر المصائب و المحن ، فكم من طالب نابه اجرف مع التيار و قضى على مستقبله و بدد حلم أهله و آمالهم فيه ، لذا كان من أهم ما يحرص عليه العقلاء تجنب هذه الشريحة المؤذية مهما كانت المغريات فالصاحب (ساحب) ..
سادساً : كيف تحب المذاكرة ؟
كما أسلفت فإن المذاكرة ثقيلة على النفس لأن تلك ضريبة المجد و التفوق .. فليس ثمة أمور عالية تنال بالراحة و الدعة ، سواء كانت من أمور الدين أو الدنيا ، فالجنة التي هي أشرف مطلوب قد (حفت بالمكاره) و هذا المعنى يجب أن يستقر في النفوس بدايةً حتى نكون مستعدين لبذل الثمن ..
و من تكن العلياء همة نفسه فكل الذي يلقاه فيها محبب
و لكني لاحظت أن كراهية معظم الطلاب للمذاكرة تعود لبرمجة سابقة في عقولهم ربطتها بمركز الألم بدلاً من السعادة .. فمن أهم أسرار المخ (التركيز) الذي يشكل نظرتنا لأمر ما على أنه جميل أو قبيح .. فنتيجة لبرمجة سابقة فإننا لما ننظر للذاكرة لا نرى إلا المشقة و الرهق و التعب و السهر فتصبح بذلك في مركز الألم .. و لكن لو جربنا مرة و مرات التفكير و التركيز على إيجابياتها لأمكننا نقلها إلى مركز السعادة و التلذذ بها و الفرح بممارستها ..
الأمر بسيط .. و أنت متجه إلى المنضدة لتذاكر .. تخيل نفسك و قد قطفت ثمار جهدك .. و تفوقت على كل أقرانك و كنت الأول على السودان .. فغص الدار بالمهنئين و المباركين .. و تسابقت عليك وسائل الإعلام .. و كرمتك المؤسسات و الهيئات .. هل من سعادة أعظم ؟
و أنت متجه إلى مقعدك لتذاكر .. تخيل نفسك في الكلية التي رغبت ، بتلك الجامعة التي حلمت بالدخول إليها ، مع الأذكياء من الطلاب و العلماء من المحاضرين و الأساتذة .. أي لذة أكبر؟
هذا هو الأمر هكذا .. لا تحسبوه غير ذي معنى بل جربوه و استمتعوا بالنتائج ..و كرروه حتى ترتبط المذاكرة إلى الأبد بالسعادة و الغبطة و الحبور ..
.. وتأمل في القصة التالية :
قال المبرد : ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة : الجاحظ و الفتح بن خاقان و إسماعيل بن إسحاق القاضي ،
أما الجاحظ : فإنه كان إذا وقع في يده كتاب ، قرأه من أوله إلى آخره ، أي كتاب كان ،
أما الفتح : فكان يحمل الكتب في خفه ، فإذا قام بين يدي المتوكل ليبول أو يصلي ، أخرج الكتاب فنظر فيه ، و هو يمشي ، حتى يبلغ الموضع الذي يريد ، ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه إلى أن يأخذ مجلسه ،
و أما إسماعيل بن إسحاق : فإني ما دخلت عليه قط إلا و في يده كتاب ينظر فيه ، أو يقلب الكتب لطلب كتاب ينظر فيه ، أو ينفض الكتب) ..
و ربما اعترى الطالب في هذا المشوار الطويل بعض الملل أو الكسل و هذا طبيعي على ألا يدوم طويلاً .. فالكسل من أهم موانع بلوغ العظمة ، و قوة الإرادة كلمة السر في قوة الشخص .. فلا تؤثرن الراحة و السلامة فإنك بذلك لن تنال من العلا قطميراً كما قال الطغرائي :
حب السلامة يثنى عزم صاحبه عن المعالي و يغري المرء بالكسل
و هذه معركة كبيرة بين الإنسان الطموح و النفس الآمرة بالسوء التي تركن للدعة و تنصرف إلى السلامة ، و لكن تذكروا أنه عندما تبدأ معركة الإنسان بينه وبين نفسه فهو عندئذ شخص يستحق الذكر ..
و النفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع و إن تفطمه ينفطم
و قد أعجبت فعلاً ببعض وسائل المتفوقين من زملاء الدراسة الذين كان الواحد منهم يكتب على منضدة المذاكرة بخط كبير النسبة التي يريد إحرازها .. أو الكلية التي ينشد الوصول إليها .. فكلما اعتراه ضعف أو ملل نظر إلى هدفه الذي سطره بيديه فنشط و تضاعفت طاقته و همته .. بل وجدت بعضهم يكتب على كتابه أو كراسه ( الدكتور ….. أو البروفسور …. أو المهندس ….) ذاكراً اسمه مقروناً بهذه الدرجات مما يجعله في هم دائم و دأب لا ينقطع حتى يصل إليها ، و أذكر أنني كنت أجزم لكل من أقابله قبل الجلوس للامتحان بأنني سأدخل كلية الهندسة جامعة الخرطوم ، و أستفيد من تعليقاتهم السالبة في إذكاء همتي و إشعال جذوتها .. و ربما دخلت معهم في مراهنة و تحدي ..
و أذكر أنني عانيت طويلاً في سبيل الجلوس لساعات في الدرس و المراجعة ، بسبب ما يتسرب إلي من ملل و سأم كلما جلست .. ولما عرفت أن هذا قائدي إلى الفشل لا محالة ، قررت التخلص من ضعفي هذا بطريقة مبتكرة .. حيث كنت أقسم بالله قسماً مغلظاً ألا أبرح مقعدي إلا بعد ساعتين أو ثلاثة .. فكلما هممت بالقيام تذكرت قسمي فعدلت عن ذلك .. حتى تعودت الجلوس للمذاكرة لساعات طويلة تقارب العشرة في اليوم و الليلة .. و لو لم أفعل لما نلت مرادي و حققت ما أصبو إليه .. فالمسألة مسألة تحدي يواجه الإنسان و لا مفر من تجاوزه و التغلب عليه ..
سابعاً : كم ساعة تذاكر؟
بقدر الكد تكتسب المعالي و من طلب العلا سهر الليالي
في اعتقادي الشخصي أن لكل مرتبة من الكمال ثمناً يدفعه طالبها .. و الدرجات التي يجرزها الطلاب بقدر ما ينفقون من أوقات على طاولة الدرس و المذاكرة .. و هذا ملاحظ و مشاهد ، فما أحرز أحد المرتبة الأولى في الشهادة السودانية إلا وجدته ممن يجلسون للمذاكرة خمس ساعات في اليوم و الليلة منذ بداية العام ، بل و حدثني الطالب النجيب خالد من مدرسة المنار و الذي أحرز المرتبة الثانية على السودان 2006م أنه كان يذاكر سبع ساعات منذ انطلاقة العام الدراسي ..
و إن كنت حتى لحظة قراءة هذه السطور لم تصل إلا هذا القدر، فلا تبتئس لأنه بإمكانك الوصول بتدرج و سلاسة .. فإنك إن أضفت إلى وقت مذاكرتك الحالي عشر دقائق كل يوم .. زاد بمقدار خمس ساعات في شهر واحد ..
أما الأوقات المثالية للمراجعة و المدارسة فتختلف باختلاف الناس .. و على المرء تخير الأوقات التي تصفو فيها نفسه و يرتاح باله ليجعلها للمذاكرة حتى يتسنى له التركيز و الإفادة ..
و المطلوب أن يذاكر الطالب ما مجموعه خمس ساعات في اليوم تزيد و لا تنقص ، و ليس مهماً اتصالها أو تفرقها أو تشتتها بين لحظات اليوم ..
كما عليه أيضاً اغتنام يوم الجمعة .. هو من الأيام المضيعة على اتساعه و فائدته .. فهو يوم إجازة لو أنفق الطالب فيه مثلما ينفق في البقاء في المدرسة بقية الأسبوع لحصل الكثير .. و أوصي أن يجعله للمراجعة الشاملة لما درس و ذاكر خلال الأسبوع .. و هذه الطريقة مجربة و فعالة و قد بلغ فيها السلف الصالح شأناً ، فقد قال الأنباري : كنت أعيد كل أسبوع عشرة آلاف ورقة ..
فلا يليق بك تضييع الجمعة في النوم و الكسل و التسلي و اللهو، فتلك صفة أولي العزائم الوانية الواهنة ..كذلك يهدر معظم الطلاب أوقات الإجازة التي تتخلل العام الدراسي بنفس الشكل و الطريقة ..
و أهم إجازة يجب أن تهتبل تلك التي تسبق الامتحان و تلي الفراغ من إكمال المنهج .. و التي يضيعها الطلاب في اللهاث خلف المعسكرات و المراجعات .. و لي تجربة شخصية مع هذه الإجازة و التي كانت طوق نجاتي ، و أمكنني من خلالها الاستعداد للامتحان على أكمل وجه ، و هي كافية لمن اغتنمها ..
كما يجدر بي في هذا المقام التحذير من السهر خاصةً أيام المدرسة .. فإنه من أكبر أسباب هدم الصحة و الجسد .. و على ذكر صحة الجسم فإنني أحذر من ملء البطن و اللهاث خلف شهوتها فإن البطنة تذهب الفطنة ، و المعدة بيت الداء و الحمية رأس الدواء ..
و ترك السهر من الوصايا التي يحرص عليها المتفوقون و قد أوصت بها المهندسة (مواهب) الأولى على السودان 1991م الطالبة شيماء سيد أحمد التي عملت بها فأحرزت المرتبة الأولى كذلك على السودان عام
2006م ..
كذلك حدثني عبد لله جعفر الأول على السودان عام 1996م أنه تجادل مع أبيه كثيراً بشأن السهر الذي كانت يدفعه إليه باعتباره سبيل الأولين بينما رفضه عبد الله و نال ما أراد ..
و من باب الأمانة الإشارة إلى أن هناك بعض من يتحملون السهر و لا يؤثر على طاقاتهم حيث يقاومون آثاره الضارة على الصحة و العقل .. و بالجملة فإن البالغ يحتاج إلى النوم لساعات ثمانية لا تزيد و لا تنقص حتى يحافظ على صحته ..
ثامناً : ماذا تذاكر؟
لدى الطالب كتاب المدرسة و ملخص المعلم و المذكرات التي يبتاعها من المكتبات .. و ربما عجز عن الاستفادة منها جميعاً .. و يشكل عليه أمر مصدر المعلومة التي هو بصددها فتارةً تجده يذاكر من الكتاب و ربما ركز على الملخص أو انصرف بالكلية للمذكرات .. و لما كان الأمر يحتاج إلى توازن لا يستقيم إلا به فإنني أقول : على الطالب التركيز على الكتاب المدرسي و مافيه من مسائل و تمارين و تعريفات و قوانين .. فالكتب المدرسية و إن كانت تعاني من بعض أخطاء الطباعة و سوء الصياغة فإنها تظل المصدر الرئيس للامتحان .. و المعلمون ينبهون الطلاب على الدوام لتلك الأخطاء و يصححونها .. و ملخص الأستاذ خلاصة تجربته في التدريس و معايشته للطلاب و الامتحانات ، فهو مهم و مفيد و لكنه لا يغني عن الكتاب بأي حال مهما كان .. و لا يفوتني تذكير الطالب بضرورة الاهتمام بكراساته و جمالها و نظافتها و وضوح الخط و اتساق الفقرات و تقسيمها ، بجانب التدوين الدقيق لكل معلومة .. فإن ذلك مما يشرح قلبه حال مراجعته منه ..فبعد أن يطالع الطالب الكتاب و يأتي على كل جزئياته ينتقل لملخص المعلم ليراجعه و يحفظه .. أما المذكرات فلا أجدني متشجعاً لها خاصة التي تخصص لشرح المادة و إن كان بعضها مفيداً للغاية خاصة تلك التي تخرج عن المقرر و تحتشد بغرائب الأسئلة و المعضلات .. فعلى الطالب الحذر في التعامل معها .. فلا يستغني بها عن غيرها .. و لا يكتفي بما فيها مهما كانت جودتها و خبرة من كتبها .. و يستفاد من المذكرات التي تصاغ سؤالاً و إجابةً في المراجعة و المذاكرة .. و لكن أفضل المذكرات تلك التي تورد الامتحانات و حلولها فإنها توفر للطالب ذخيرة يحتاجها في معركة الشهادة السودانية ..
فلنبدأ بالكتاب المدرسي ثم ملخص المعلم ثم مذكرات الامتحانات و أخيراً المذكرات التي تعنى بالشرح و التوضيح ..
تاسعاً : مواسم المذاكرة
على الطالب اغتنام الامتحانات التجريبية التي تعقد في المدرسة استعداداً للشهادة الثانوية .. فيتعامل معها بجدية و لا يتهرب من أدائها .. فإنه بذلك و بدون أن يشعر يجد نفسه قد أتقن حفظ معظم المقرر، و أكسبته النتائج الجيدة ثقة بنفسه و دربة على أجواء الامتحان هو محتاج لها للغاية ..
و أشير هنا إلى مسألة مهمة لطالما ألهبت الحماس و الهمة ألا وهي التنافس بين الطلاب .. فالمتفوق له توق كبير إلى السبق و الصدارة ، و له نفس متعطشة لبز الأقران و التغلب عليهم .. فإن فاته أحد و لو بشطر درجة اتقدت في نفسه نار العزيمة و التحدي فيشمر عن ساعديه حتى ينال ما يريد .. بعيداً عن الحسد و الحقد
و أمراض النفوس التي تنقلب عليه وبالاً ..
و قد ذكر المهندس عبد الله جعفر أول الشهادة في دفعتنا 1996م أنه كان يتنافس مع الامتحان .. فيغضب إن نقص درجةً واحدة و يفرح إن حصد الدرجات جميعاً .. وهو بذلك قد بلغ القمة في الهمة و المثابرة دون أن يركز على شخص ليفوته ..
و أذكر أنني عندما كنت أستعد لامتحان الشهادة درجت والدتي وهي معلمة قديرة على تلاوة أخبار المتفوقين من غير مدرستي علي كل يوم .. فتقول : سمعت أن إيناس أسامة (و هي طالبة كانت منافسة لي على مستوى ولاية القضارف) قد أكملت المقرر ، أو أن طالباً في مدينة كسلا قد أحرز النسبة الكاملة في الامتحان التجريبي .. فتغذي تلكم الأخبار همتي و تشحذها أياماً قلما أبارح فيها مقعدي ..
و بالجملة فإن الامتحانات و نتائجها لها تأثير كبير على معنويات الطالب و مساره فيجب الاعتناء بها على الوجه الأكمل .. و لا يرضى المتفوق بنقصان درجة أو سبق قرين له فإن ذلك من أخطر الأدواء على إرادته .. و قد كنت أقول لطلابي إن من لا يبكي عند فقدان درجة أو تراجع مرتبة يجب أن يبكى عليه فقد مات .. فحياة الطالب في السباق و المنافسة و نيل المعالي ..
و من فوائد التفوق في امتحانات المدرسة أنها تحمل المرء مسئولية كبيرة في الشهادة السودانية ، حيث يشعر الطالب بأنه يحمل راية مدرسته في منافسة ضخمة و يقع على عاتقه رفع رأسها و تحقيق الفوز لها فيشكل ذلك له دافعاً إضافياً..
و على الطالب ألا يحبط من نتيجة متدنية أحرزها ذات مرة في امتحان ، بل عليه مواجهة ذاك الفشل بمزيد من التصميم .. حتى يسترد عافيته ، خاصةً إن تلقى سخرية من معلمه أو أقرانه بسبب تلك الدرجة المتدنية .. فيستثمر الغضب طاقةً جبارة يستغلها في التحصيل و ملازمة الدرس ..
عاشراً : كن واثقاً و لا تغتر
ربما بلغ بعض الطلاب درجة عالية من المذاكرة و الفهم و الاستيعاب .. و دأبوا على إحراز المراتب الأولى في كل امتحان أو الدرجات العليا في كل اختبار فيحملهم ذلك على التكبر و التعالي على أقرانهم ، و معلميهم في بعض الحالات .. و هذا من القواصم التي تكسر المرء و تقذفه بعيداً عن درب الفلاح ، فالكبرياء رداء الله يذل من ينازعه فيها .. فيتحول إلى منبوذ من قبل طلابه و معلميه على السواء .. و قد لاحظت أن بعض الطلاب الذين يتلقون دروساً خارج المدرسة أو سبق لهم الامتحان يتعاملون بشيء من الاستخفاف في حوارهم مع معلميهم و كأنه يطلبون تجهيلهم و إسقاطهم من نظر الطلاب و هذا قمة الإنحطاط في الهمة و السلوك ..
و عندما أحذر من الغرور الذي هو مقبرة و مهلكة .. أنبه إلى أهمية الثقة بالنفس و أثرها في حياة الطالب و نفسياته و اتزانه عند الامتحان و الطلب و الدراسة .. فلا يحسن بالطالب أن يكون مهزوزاً ضعيفاً متردداً هياباً يطير فؤاده عند السؤال .. و يفقد ذاكرته حال الامتحان ..
إستراتيجية الامتحان
قبل قراءة النصائح و الوصايا في هذا الباب على الطالب التدبر و التفكر في حديث من أحاديث المصطفى صلى الله عليه و سلم كان أحد شيوخنا يسميه (حديث الامتحانات) و هو توجيه كريم يصلح لمختلف حال الإنسان و لكنه ربما ناسب هذا الموطن كثيراً .. قال أبو هريرة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير . احرص على ما ينفعك واستعن بالله عز وجل ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل فإن ( لو ) تفتح عمل الشيطان ”
صحيح الكلم الطيب- الألباني
أولاً : قبل الامتحان
أريد أن أنبه في البداية إلى أن النصائح الواردة في هذه الرسالة يجب أن تؤخذ جملةً واحدة .. فلا يصلح أن ينتفع أحد بما يقال بشأن الاستعداد للامتحان إن لم يكن قد عمل قبله بوصايا المذاكرة و تحلى بعلو الهمة و المثابرة و المصابرة و توكل إلى الله حق توكله .. و بالجملة فإنه لن ينجح مفرط في اجتياز الامتحان على الوجه الأكمل جزاءً وفاقاً .. فالامتحان وقت حصاد ، و لا حصاد لمن لا زرع له فانتبه ..و قد وجدت عدداً كبيراً من الطلاب يكد و يجد في موسم الامتحان بل و يسهر حتى الفجر ليحصل و ما هو بمحصل .. و لعل ذلك كله بسبب عدم انتفاعه بما وجه له من نصح و نصائح في بداية العام و قبل دخول هذه المعمعة العصيبة و صدق المثل الصيني (النصائح الجيدة تخترق قلب العاقل و تجتاز أذن الجاهل) ..
أوجز النصح هنا في نقاط :
1/ الاستعداد المبكر للامتحان
فيعمل الطالب منذ بداية العام بنفس واحد و عزيمة ثابتة و همة لا تفتر فلا تتراكم عليه الدروس و لا تعييه كثرة المسائل لأنه ينجزها أولاً بأول .. فيكون الامتحان بالنسبة له مجرد تمرين أو تطبيق أو فرصة لإثبات تفوقه و بزه لأقرانه فيفرح به و يسر و ليس في ذلك مبالغة فذوو المزايا العالية الرفيعة يعشقون النصر و على أقل تقدير يكرهون الهزيمة ..
و الاستعداد المبكر له شقان .. استعداد دراسي ، و استعداد نفسي .. فالدراسي يكون بالمذاكرة و المدارسة كما تقدم ، أما الاستعداد النفسي فيكون بالهدوء و الثبات و عدم الخوف و تحفيز النفس بأجواء التنافس مع المتفوقين الآخرين أملاً في سبقهم أو اللحاق بهم إن كانوا قد تفوقوا في جولات سابقة ..
و لا ينس الطالب بحال أن يوثق صلته بربه تعالى و عز وجل سيما في هذه الأوقات التي هو في أمس الحاجة للطفه و إعانته ، فقد كان مشركو العرب يذكرون الله عند الشدة مع أنهم ينسونه في الرخاء .. فعيب و أي عيب أن ننصرف عنه تعالى في الشدة مع نعمة الإسلام و التوحيد ، و الحذر الحذر من المعاصي في سائر الأوقات و في هذا المقام بالذات هرباً من غضبة الجبار.. قال العلامة ابن الجوزي (ينبغي للعبد أن يحذر عواقب المعاصي فإنه ليس بينه و بين الله قرابة، و إن كان حلمه يسع الذنوب إلا أنه إذا شاء عفا فعفا كل كثيف من الذنوب ، و إذا شاء أخذ باليسير .. فالحذر الحذر) فرب معصية صغيرة لم تعرها التفاتاً جرت عليك من البلايا ما الله به عليم .. نعوذ بالله من سخطه..
و العكس بالعكس فإن طاعة الله عز و جل من أهم وسائل الإعداد النفسي لما تخلفه على القلب من سكينة و هدوء و طمأنينة (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) و قد سبق الحديث عن ذلك و لكن وجب تكراره حتى يستقر في النفوس و ينقش في القلوب و تألفه الجوارح عملاً و فعلاً ..
2/ التخلص من السلبيات
فأهم ما يجب أن يعمل الطالب عليه قبل الامتحان بوقت كاف تحديد نقاط الضعف سواءً كانت في مادة كاملة أو في دروس بعينها و جزئيات متفرقة .. ثم يتخذ من الوسائل ما يجعله يتخلص من ضعفه ذاك حتى لا يؤثر في نتيجة تحصيله، و التخلص من الضعف هذا بحسبه ، فرب ثغرة تحتاج إلى مجرد تدقيق و أخرى تحتاج الاستعانة بصديق أو معلم المادة .. و لكن هناك من المشكلات ما يحتاج إلى وقت و زمن كالضعف في مواد كاملة كالرياضيات و الإنجليزي و الكيمياء و غيرها مما يخلق عقدةً للطالب بمرور الوقت و ربما تعود عليها و قال (أنا عندي مشكلة في الرياضيات فقط) راضياً بذلك دون أن يعمل على الحل.. فأوصى في هذا الصدد أن تستغل الإجازات في تذليل هذه الصعاب ، أو العمل منذ بداية العام الدراسي عليها مع الاستعانة بأفراد الأسرة أو المعلم .. لكن لا يصح بأي حال أن يدخل الطالب فترة الامتحانات بظهر مكشوف ، فإن هذه الثغرات تدحرجه دائماً إلى المراكز الخلفية و تؤثر على نتيجته ثم ما تلبث أن تهز ثقته بنفسه و تدمره بالكامل ، فالمشكلة تحل في صغرها قبل أن تتفاقم و تصير كالجبل لا يتحول و لا يتفتت .. فعليه أولاً و منذ زمن تحديد نقاط ضعفه و العمل على تجاوزها و كم من طالب كان يكره مادة و لا يتقنها فلما جلس عليها و واجه مشكلته و ضعفه قهر الصعاب و تفوق فيها و الأمثلة كثيرة..
3/ الخوف الإيجابي
كانت العرب تقول (رب أمن سببه الخوف) ، لابد للطالب أن يتهيب الامتحان و يعطيه قدره ، لأنه خلاصة ما عمل عليه و درس ، و الخوف المطلوب هنا هو بمقدار ما يدفعه للنشاط في الدرس و المذاكرة و الاهتمام، فعدم المبالاة بالامتحانات و فترتها و جدولها و أجوائها يقود إلى الرسوب و لابد.. و نجباء الطلاب لا يستهترون بالامتحان مهما كان صغيراً أو كبيراً و هم في تنافس دائم معه لتحصيل كافة درجاته، و هم بلا شك يخافونه بالقدر المطلوب ، فكلما قرب أوانه شمروا الساعد و شدوا المئزر و جردوا الكتب و الكراسات و الملخصات و ضاعفوا كدهم و اجتهادهم.. و لكن من الطلاب من يخاف من الامتحان خوفاً مرضياً .. يعجز معه عن الجلوس للدرس أو المراجعة و التمحيص ، فتجده ساهماً حزيناً واجماً ، و مما يضاعف الأسى أن بعض المتفوقين يصابون بهذا المرض (الخوف من الامتحان) فتجدهم يحرزون درجات متدنية للغاية مع أن أداءهم في الصف متميز و رفيع .. و هذه لعمري عقبة شديدة لابد أن يعمل على تجاوزها المعلم و الأسرة .. فتكثف لهذا الطالب الاختبارات في البيت و المدرسة فيتعود على أجواء الامتحان حتى تزول عنه الرهبة .. فلا شيء يقهر الخوف من الامتحان إلا تكرار الامتحان.. و قد قال نابليون (أحسن وسيلة للتغلب على الصعاب اختراقها) .. و قد لقيت طلاباً يهربون من الامتحان بإدعاء المرض و هم معافون و إنما فعلوا ذلك خوفاً .. فقلت لهم لو أنكم جلستم للامتحان لكسرتم طوبة في هذا الجدار الكريه فجرب بعضهم ذلك فانتفع به و الحمد لله..
و على المعلم ملاحظة ذلك في طلابه و تلافيه في بدايته بمعاونة الأسرة و لا يقتصر العلاج و الحل على الطريقة التي ذكرتها بل يمكن ابتكار العشرات من الحلول باختلاف الزمان و المكان و الظروف و ربما كان الحل في العلاج النفسي المحترف عند الطبيب أو المشفى و الله المستعان ..
3/ تغيير الإستراتيجية
مع اقتراب الامتحان يجب على الطالب تغيير طريقته في المذاكرة قليلاً ليكثف من حل الامتحانات السابقة و يحل التمارين و المسائل و الاختبارات الماضية ، فإنه بذلك يدخل في أجواء الامتحان و يتعود عليه بالتدريج حتى إذا جاءه و جده سهلاً هيناً قد تدرب عليه .. و كثيراً
ما تتكرر الامتحانات و الأسئلة و تتشابه فيجد نفسه قد حل معظم ما سئل عنه أو حل مسائل مشابهة فيعزز ذلك ثقته بنفسه و ينفعه أعظم النفع .. على أن يكون حل الامتحانات السابقة و المسائل و التمارين بجدية و انضباط فيتخيل الطالب نفسه في غرفة الامتحان بكافة تفاصيلها.. و أذكر أننا كنا نحل الامتحان مع ضبط الوقت و إحضار مراقب يحوم حولنا كما يفعل في قاعة الامتحان.. و هذه الطريقة تقضي على الخوف بجانب إفادتها في التحصيل..
4/ تجنب الإرهاق و التعب
قد مضى الحديث عن أولئك الذين يحاولون الاستعداد في الزمن الضائع كما يقال في لغة كرة القدم و لست أعنيهم هنا.. و لكنني أقصد الطلاب المجتهدين الذين يرهقون أنفسهم أثناء الامتحانات أو قبلها بأيام إرهاقاً شديداً .. فتجدهم يهملون التغذية و يكثرون من السهر و ينسون التوجيه النبوي المعجز الكريم (إن لنفسك عليك حقاً ..) فالعقل السليم في الجسم السليم كما جاء في المثل العربي ، و في المثل البوذي (العناية بالجسد واجب) ، و عند الإنكليز (الجسم السليم هو المسكن الأفضل للنفس ، و الجسم العليل هو سجنها)..و قد كان الهنود يقولون (المحافظة على الصحة فضيلة) و غالباً ما تعتل أجساد هؤلاء فيعجزون عن إنجاز الامتحان بكامل طاقاتهم فيصبحون كالمنبت لا أرضاً قطع و لا ظهراً أبقى و علينا التذكر دائماً أن الصحة هي أجمل ثوب نرتديه ، قال بنيامين فرانكلين (نم باكراً و استيقظ باكراً تجد الصحة و المال و الحكمة).. و من يملك الصحة فإنه يملك الأمل ، و من يملك الأمل يملك كل شيء.. و أذكر أن أحد أصدقائي في الدفعة التي تلينا قد كان نبيهاً مفرط الفطنة و الذكاء بشكل مذهل و هو عمار حسين كباشي –قد مر معنا ذكره- كان معلموه و أصدقاؤه يرشحونه لإحراز المركز الأول على السودان بدون منازع فقد كان يحرز في الامتحانات التجريبية درجات هائلة للغاية لم يحققها غيره فضلاً عن موهبته الفذة في اللغة العربية و الإنجليزية (هو الآن في الدراسات العليا ببريطانيا مستفيداً من منحة دراسية) ، وقع صديقي هذا في خطأ كبير عندما أهمل صحته مع اقتراب الامتحان فكان أن أصيب بمرض الملاريا مع دخول أول امتحان حتى كاد أن يضيع عليه مجهود عام كامل .. و لكنه بحمد الله كان مع مرضه يجلس للامتحان بنصف طاقاته في غرفة خاصة منفصلة يغالب مرضه و ربما ذهب للقيء أثناء الامتحان.. فكانت النتيجة أن أحرز المركز الخامس على السودان بدلاً من الأول .. و هذا مع توفيق الله له ، ثم سابق استعداده و عقليته الفذة حفظه الله في حله و ترحاله ..
ثانياً : يوم الامتحان
عليه الاستيقاظ مبكراً لصلاة الفجر و من بعدها أذكار الصباح ثم يبتهل إلى الله أن يوقفه و يسدده و يلح في الدعاء .. ثم يتجهز بالاستحمام و اللباس و شرب الشاي أو أي مما يفعله قبل الذهاب للمدرسة .. و لا أنصح طالباً بمراجعة درس أو مذاكرة معلومة صباح يوم الامتحان لأن ذلك ربما أربك ما في ذهنه من معلومات و أورثه التوتر و القلق ولي تجربة شخصية في ذلك .. حيث أذكر أن جاراً لي كان ممتحناً معنا للشهادة السودانية الثانوية باغتني صباح يوم امتحان الكيمياء بمسألة غريبة في الحساب الكيميائي لا أدرى من أين أتى بها .. فسرى القلق و التوتر في نفسي مع أني كنت مستعداً غاية الاستعداد إلا أن تلك المسألة أربكتني ثم أثرت على أدائي في الامتحان بعد أن تملكني الخوف و الرهبة و لكنني استفدت من الدرس و الحمد لله..
و عليه كذلك تجهيز كامل الأدوات التي ربما يحتاجها في اختباره ذاك ، فلا يحتاج إلى طلب أداة من زميله أو جاره مما يؤثر في عامل الزمن و يسبب ربكةً هو في غنىً عنها..
و عندما يصل الطالب إلى المدرسة عليه كذلك تجنب النقاش مع الطلاب في بعض أجزاء المادة المراد الاختبار فيها لذات السبب مع أن بعض الطلاب تجده لحوحاً للغاية في السؤال و له القدرة على ذلك حتى و هو في باب الحجرة و تجده يحمل كراسته و يراجع قبل ثوان من بدء الامتحان و ربما تأخر قليلاً لمزيد من المراجعة .. و هذا الأسلوب لا يأتي بخير على الغالب الأعم ، و الاستعداد المبكر يجنب كل ذلك..
و بالجملة فإن الطالب يوم الامتحان يحتاج إلى الهدوء و التركيز و اللياقة البدنية الكاملة فعليه تعزيز ذلك بمختلف الوسائل ، ليظل بعيداً عن التوتر و الإرهاق و الشد العصبي و الخوف الذي ربما أثر على درجته و إن كان من قبل في كامل جاهزيته..
ثالثاً : داخل الامتحان
* بعد إشارة بدء الإجابة يسم الله و يتوكل عليه ثم يبدأ بقراءة السؤال الأول ، مراراً قبل الإجابة عنه.. (فهم السؤال نصف الإجابة) ، حتى إن كان السؤال سهلاً لزمك قراءته بعناية و تمعن حتى تجيب عنه إجابةً نموذجيةً لا يعتريها النقص ، و كثير من المتفوقين يقعون في شراك الأسئلة السهلة و ما ذلك إلا لتسرعهم في الإجابة و أذكر أن إحدى طالباتي النجيبات اسمها (أمنية) قد وقعت في خطأ غريب أذكره للدلالة على أهمية قراءة السؤال أكثر من مرة قبل الإجابة حتى إن كان سهلاً ، هذه الطالبة المميزة أكاديمياً عكست إجابتي السؤال الأول و الثاني ، ففي السؤال الأول طلبت منها ذكر أهداف الذكاء الاصطناعي و في الثاني أسس الذكاء الاصطناعي ففعلت العكس ، كاتبةً الأسس في الأول و الأهداف في الثاني ، هذا مع أنها كانت الأولى على صفها ففقدت من الدرجات الكثير.. فلا يتسرع الطالب في الإجابة قدر الإمكان و يحذر السهل من الأسئلة و في المثل العربي (الخطأ زاد العجول)..
* يمكن للطالب أن يتبع بعض التكتيكات التي توفر عليه الزمن ، فمثلاً يمكنه البداية بأسئلة الحفظ أو الأسئلة المباشرة ثم ينتقل بعد الفراغ منها للمسائل أو العكس ، و هذا ينفع في الكيمياء و الفيزياء و الرياضيات كذلك .. و قد جربت ذلك في بعض الامتحانات و انتفعت به و لله الحمد..
* على الطالب كذلك تخطي الأسئلة الصعبة أو التي تحتاج إلى ترتيب قبل الإجابة عليها حتى ينتهي من الأسئلة السهلة و المباشرة ، و قد وجدت كثيراً من الطلاب يرتبك جداً إن وجد سؤالاً لا يستحضر إجابته في الحال ، و تجده واقفاً فيه لا يتخطاه و قد تصبب العرق منه ، و ربما أفقده هذا السؤال تركيزه في كامل الامتحان فيكون وبالاً عليه، وقد يمضي كامل زمن الامتحان و هو في سؤاله ذاك.. فالأسئلة الصعبة نتخطاها بهدوء و نأتي عليها في آخر الامتحان و سنوفق في الإجابة عنها بإذن الله ، فالخوف على المتفوقين من الأسئلة السهلة و ليست الصعبة..
* كذلك لا أنصح الطلاب بقراءة كل الأسئلة قبل بداية الإجابة .. لأنه ربما وجد معلومة لا يذكرها قد سئل عنها فتربكه كما تقدم في الفقرة الماضية، فينتقل الطالب بتسلسل الامتحان يجيب عن الأسئلة على التوالي و الترتيب أو حسب التكتيك الذي يعمل به إن وجد…
* في أسئلة التعبير كما في الإنشاء أو المقالات ، على الطالب البعد عن اختيار الموضوعات العلمية و تفضيل الموضوعات الخيالية التي لا تحتاج لتوثيق علمي للمعلومات التي يوردها .. و هذه وصية تلقيتها من الدكتور أحمد عمر مبارك عندما حدثته في موضوع الإنشاء الإنجليزي فقال لي (موضوع الإنشاء لابد أن يكون قصةً) ، و كان نظام السؤال يمكن الطالب من الاختيار من بين أربعة مواضيع و قد عملت بنصحه و اخترت موضوعاً خيالياً أذكر أنه كان (يوم لا أنساه) .. و كذلك في التعبير باللغة العربية .. و على الطالب كتابة الموضوع بقلم الرصاص ثم مراجعته مرةً و أخرى للتصحيح قبل أن يمرر عليه بقلم الحبر حتى يتجنب الكشط الذي يؤثر على مظهر الورقة ..
كذلك في الأسئلة التي تكون الإجابة عنها طويلة و فيها الكثير من المعلومات، على الطالب وضع النقاط التي لابد من إيرادها بقلم الرصاص حتى إذا استوفاها كلها ربطها و جعلها بقلم الحبر..
* ومن أهم الوصايا أن يحسن الطالب إدارة وقته في الامتحان .. فيجعل وقتاً للمراجعة و هي مهمة للغاية .. و يستفيد من كامل الزمن المتاح للامتحان فلا يلتفت للخروج المبكر لبعض الطلاب ، ولا يفكر هو في الخروج المبكر لإظهار القوة .. فليس التحدي في هذا المجال و لا كرامة لمن خرج أولاً بل الكرامة لمن أحرز الدرجة العليا.. فيركز في الإجابات و يراجع أكثر من مرة و إن كان آخر الطلاب خروجاً من الحجرة .. و كم من طالب نابه ضره التسرع في تسليم ورقة الامتحان ثم يكتشف أنه قد ترك سؤالاً كاملاً دون إجابة أو نسي صفحة كاملة و هكذا..و قد كان من أجمل ما قاله يوليوس قيصر مقولتان (أسرع ببطء) و (ما نفعله بسرعة لا نفعله بإتقان) فتفكر فيهما و تذكر أن من أسرع كثر عثاره و من تأنى نال ما تمنى..
*و لعل من نافلة القول هنا التنبيه على وجوب الابتعاد من الغش بكامل أنواعه .. فبعض المتفوقين ربما أشفق على جاره أو زميله فيتحايل حتى يعطيه بعض المعلومات و هذا غش واضح منهي عنه لا يليق بذوي النفوس الكبيرة (من غش فليس منا) كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
رابعاً : بعد الامتحان
على الطالب بعد خروجه من الامتحان تجنب الحوارات التي تدور بين الطلاب حول صحة بعض الإجابات ، فإنه حوار لا طائل منه و ربما قاد للإحباط و أثر في الاستعداد للامتحان الثاني .. فعليه إن فرغ من الامتحان التوجه للبيت لمزيد من الراحة و الاستجمام قبل الاستعداد للامتحان التالي أو الاحتفال في حالة الفراغ من كل المواد..
و مهما كان أداء الطالب في هذا الامتحان جيداً فعليه أن يحذر الغرور و الاستخفاف لأن المشوار ما زال طويلاً و لأن الغرور مقبرة ..
قال الشاعر القروي :
إذا عصف الغرور برأس غر توهم أن منكبه جناح
و لا يتكبر إلا وضيع كما أنه لا يتواضع إلا رفيع ، و مثل المغرور مثل الديك ، يظن أن الشمس لا تشرق إلا لسماع صياحه ..و التكبر من صفات الجهال و من علامات الضلال .. فيحذره الإنسان في كافة حياته و يمنعه من التسرب إلى قلبه مهما كانت إنجازاته ، و قد صدق سيدنا علي رضي الله عنه عندما قال ( احذروا نشوة الانتصار و الغرور ، فإنها تهدم في ساعة ما بني في أعوام) ..
فكونك تفوقت في امتحان أو أحرزت فيه درجة أعلى أو تميزت في الأداء فيه يجب أن يولد لديك دافعاً إضافياً للمحافظة على هذا المستوى بعد شكر الله عز وجل الذي هو المنعم عليك بذلك .. و لا يمكن أن يكون تفوقك مدخلاً للتيه على الناس أو الرضا بما وصلت إليه، بل عليك أن تكون في كد دائم و سعي لا ينقطع للوصول للعلا و البقاء في القمة شاكراً لأنعم الله مكتسياً بحلة التواضع..
أما إن لم توفق في الأداء الأمثل فلا تقيم المآتم لذلك و تبدأ النياحة ، بل عليك سرعة النهوض من الكبوة و أنت أكثر عزماً و أمضى إرادة و أشد قوةً ، (لكل جواد كبوة) ، و لا تفقد طموحك ، فقد أحسن عزيز محمد حين قال (حالما ينتهي طموح إنسان ينتهي أن يكون إنساناً) و الإرادة تتجلى في تجاوز الإخفاقات كما قال جوستاف لوبون (لا شيء يقف أمام الإرادة) ..
قال خليل مطران :
اعزم و كد فإن مضيت فلا تقف و اصبر و ثابر فالنجاح محقق
ليس الموفق من تواتيه المـــنى لكن من رزق الثبات مـوفق
و تذكر دائماً ما قاله جولد سميث (ليس الفخر ألا تسقط ، الفخر أن تنهض إذا سقطت) ، و قد لاحظت أن بعض الطلاب ربما لم يحسن الإجابة في امتحان ما ، فيترك الكد فيما تبقى من الامتحانات و هذا خطأ جلي لا يقع فيه عاقل .. بل الواجب عليه زيادة اجتهاده للتعويض ، أذكر أن أدائي في امتحان الرياضيات الإضافية (الورقة الأولى) في الشهادة السودانية لم يكن على ما يرام ، فوجدت في نفسي دوافع قوية للمثابرة و التعويض في بقية الامتحانات و قد كان بحمد الله و فضله فانتبه..
تذكرة:
و أنت تستعد لسؤال الدنيا في الامتحانات تذكر سؤال الآخرة غداً و جهز الإجابات…
قال أبو العتاهية :
سأسأل عن أمور كنت فيها فما عذري هناك و ما جوابي؟
كلمتي الأخيرة
بالرغم من أن في النفس حاجات و أموراً لم أستطع تدوينها لضيق الوقت و الحال ، لكنني آتي إلى نهاية هذه السطور لأختم بنقطتين :
الأولى (تحذير) :
كنت أناقش الطبيب الأستاذ إدريس جلال ذات يوم و أحاوره بشأن أسباب تدهور مستوى بعض الطلاب المجتهدين و المتفوقين في السنة الأخيرة ، فوجدته يعزي ذلك لوقوعهم في مصيدة (العشق) ..و بمرور الوقت علي و أنا في ذات المهنة بدأت ألحظ المرض هذا جلياً و واضحاً .. لذاك اسمحوا لي أن أقف هنا محذراً .. فالعشق داء لا دواء له .. يزري بالعاقل و يضعف إرادته و يسلبه تركيزه و انتباهه و يجرده من طموحه و أهدافه العالية .. فيهيم بفكره في فضاءات الخيال بلا طائل راكضاً خلف سراب لا ماء فيه و لا حوله .. فأرجو لمن وقع فيه الشفاء .. و أحذر من لم يخض بحاره و لججه بعد .. و بالبرغم من صعوبة الأمر في زمن أتيح فيه للنساء الاختلاط بالرجال في كل مجال إلا أنه يحسن بذوي الهمم الترفع عن ذلك .. و مع خطورة مرحلة المراهقة التي يقع الطلاب في طورها ، لكن دائماً ما يفلح أصحاب النفوس الكبيرة في الحفاظ على اتزانهم مع تقلب الأحوال و تداول الأيام .. و بالجملة لن يصل إلى القمة إلا من استحق ذلك .. أما من اتبع شهوته و نفسه الأمارة بالسوء فمكانه السفح حيث الطيور الصغيرة بينما تحلق النسور عالياً …
ثانياً (وسام) :
أمنحه كل طالب قدر دور والديه و أسرته .. و نظر إلى عطائهم بعين الاعتبار و الرضى و الامتنان ..و تذكر ذلك البذل كلما وهن عزمه أو كلت نفسه أو ضعفت إرادته ، فطرد الكسل و غفل راجعاً إلى الكد و الصبر في طريق هي نور و تقود إلى نور .. فالله أعلم بمعاناتهم و مجاهدتهم و مكابدتهم و جهادهم في سبيل تيسير السبيل و إنارة الطريق لنا نحو العلا .. و أفضل ما نكافئهم به هو التفوق الباهر و النجاح المميز .. فحينها تطفر دموع الفرح من عيون لطالما سهرت على راحتنا .. و أكرم بها من جائزة ..و أنعم به من تكريم ..و التحية لكل أب مكافح و أم مصابرة ممن وعوا دورهم الخلاق في بناء الأمة و عمارة الأرض و أسأل الله أن يقر أعينهم بما يشتهون ..
و أعتذر عن كل عجز بسبب نفسي و ضعفها ، و كل تقصير بسبب الشيطان و تزيينه و أرجو من كل قاريء لهذه السطور الدعاء لمسطرها بالعفو و المغفرة و بلوغ الغايات..
كتبه الواثق الصادق
و تم الفراغ من تسويده قريباً من منتصف ليلة الخميس 30/11/2006م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!