التناقض الشديد من أجمل ما تجده في السودان، فالخرطوم العاصمة التي بها نهران هما النيل الأزرق والنيل الأبيض تعاني من انقطاع دائم في المياه، وفي الوقت الذي تحتل فيه شواطئ الأنهار في العواصم العالمية المباني الجميلة والحدائق والمطاعم وغيرها.
فإنك لا تجد إلا الأراضي القاحلة المقفرة على صفاف نهر النيل مع مشروع لم يستكمل على ضفة النهر من ناحية أم درمان كانت قد بدأته شركة قطرية لكنه توقف.
ولا عجب حينما تجد شارع الحرية يقودك إلى السجن وشارع الغابة يقودك إلى القصر الرئاسي، وأن تجد بلد المائة وأربعين مليون رأس من الماشية تستورد الحليب المجفف من هولندا والدانمارك وكلا البلدين لا تزيد ثروتهما الحيوانية على عشرة ملايين رأس، وقد أبلغني الزميل أحمد بشتو معد ومقدم برنامج «الاقتصاد والناس» أنه ذهب إلى تجمعات بها عشرات الآلاف من الماشية داخل السودان فوجد أهلها يحلبون النوق والبقر والشياه ولأنه لا توجد لديهم أية وسيلة لحفظ الألبان فإنهم يحفرون حفرة كبيرة في الصحراء يلقون فيها الحليب، ولو كانت هذه الثروة الحيوانية في أي دولة من دول العالم لتحولت إلى أكبر مصدر للحليب والألبان، ورغم أن الأراضي الصالحة للزراعة في السودان تزيد على 45 مليون فدان إلا أن الاهتمام لا يتجاوز الأراضي المروية التي لا تتجاوز أربعة ملايين فدان، أما الأراضي التي يمكن أن تروى على المطر ويمكن أن تدر ذهبا على السودان فلا يوجد اهتمام بها أو رعاية لها حتى لو زرعت أعلافا في ظل أن طن العلف يتجاوز 600 دولار في الأسواق العالمية فإنها ستصبح مصدرا ذهبيا للسودان، ولدى السودان وفرة كبيرة من المياه تتجاوز نصيبها في نهر النيل حيث تبلغ نسبة حصتها من الأمطار 1200 مليار مكعب من مياه الأمطار سنويا وقد أبلغني الخبير الاقتصادي السوداني محمد إبراهيم كبج، وهو موسوعة اقتصادية رقمية للسودان، أن هذا الرقم يوازي نصيب السودان من مياه النيل الذي لا يزيد على 18 مليار ونصف المليار من الأمتار المكعبة من المياه بأكثر من أربعين ضعفا ولو استفادت السودان من مائة مليار متر مكعب فقط من مياه الأمطار أي أقل من العشر فإنها سوف تحصل على ما يوازي خمسة أضعاف مياه النيل، وأن مياه الأمطار تساعد على زراعة 20 مليون فدان بالوسائل البدائية التي تعود إلى العصر الحجري وهي أن يحفر المزارع الأرض «بالسلوكة» وهي عصي بها رأس مدببة ويضع البذرة ثم يردمها ويتركها للأمطار، ولو أن الحكومة قامت باستخدام وسائل حديثة للزراعة في هذه الأماكن لكان الإنتاج الزراعي والحصاد كافيين لإطعام القارة الإفريقية بأكملها لا أن تستورد السودان ربع غذائها، كما أن تغيير عادات السودانيين في أكل الذرة والدخن «بضم الدال» إلى أكل القمح قد ضاعف من الفاتورة الغذائية وجعل السودان تستورد أغذية بما يوازي 18 ضعفاً ما كانت تستورده قبل عام 1990، ويتحدى كبج الحكومة في أن تكذب أو نتفي ما يؤكد عليه من أن حجم دخل السودان من النفط منذ بداية تصديره وحتى عام 2012 يزيد على 70 مليار دولار وهي ثروة هائلة لم يظهر أي أثر لها في أي من مناحي الحياة في السودان على اعتبار أن المشروعات الكبرى التي أنجزت من السدود والطرق والكباري هي ديون على الأجيال القادمة أن تقوم بسدادها.. نكمل غدا.
احمد منصور- الوطن
مقالات أحمد منصور>>
error: Content is protected !!