وكالة سودان برس

sudanpress وكالة سودان برس

اشعار سودانية

ام درمان … “د. محمد الواثق‏”

المؤلف الاستاذ الدكتور محمد الواثق مؤلف ديوان ام درمان تحتضر ولد بقرية النية بمديرية الخرطوم في ديسمبر 1936م تخرج في مدرسة وادي سيدنا الثانوية ثم جامعة الخرطوم كلية الآداب قسم اللغة العربية بدرجة الشرف المرتبة الأولى عام 1962م إلتحق بجامعة كامبردج وتخرج ببحث أعده عن المسرح العربي القديم 1967م عمل محاضرا بكلية الآداب جامعة الخرطوم ثم أستاذا مشاركا ثم رئيسا لقسم اللغة العربية عمل عميدا للمعهد العالي للموسيقى والمسرح له ديوان شعر الفارس الأعزل وديوان شعر أم درمان تحتضر له كتاب باللغة الإنجليزية صدر من دار جامعة الخرطوم للنشر تحت عنوان تاريخ المسرح العربي 1310 – 1914
لا حبذا انت يا أم درمان من بلد
أمطرتنى نكدا لا جادك المطر
من صحن مسجدها حتى مشارفها
حط الخمول بها واستحكم الضجر
ولا أحب بلادا لا ظلال لها
يظلها النيم والهجليج والعشر
ولا أحب رجالا من جهالتهم
أضحى وامسى فيهم آمنا زفر
اكلما قام فيهم شاعر فطن
جم المقال نبيل القلب مبتكر
ضاقوا بهمته واستدبروا جزعا
صم القلوب وفى آذانهم وقر
أكلما غرست كفى لهم غرسا
كانوا الجراد فلا يبقى ولا يذر
المظهرون بياض الصبح خشيتهم
والمفسدون اذا ما صرح القمر
قميص يوسف فى كفى أليح به
قميص يوسف لم يرجع لهم بصر
ولا احب نساء ان سفرن فقد
تحجر الحسن والاشراق والخفر
من كل ماكرة فى زى طاهرة
فى ثوبها تستكن الحية الذكر
يابعض أهلى سئمت العيش بينكم
وفى الرحيل لنا من دونكم وطر
سألتك الله رب العرش فى حرق
انى ابتأست وانى مسنى الضرر
هل تبلغنى حقول الرون ناجية
تطوى الفضاء ولا يلفى لها أثر
قرب الجبال جبال الألب دسكرة
قد خصها الريف لاهم ولا كدر
تلقاك مونيك فى أغيائها عرضا
غض الاهاب ووجه ناعم نضر
من صبح غرتها حيك الضياء لنا
ومسك دارين من أردانها عطر
مونيك انى وما حج الحجيج له
لم يلهنى عنكم صحو ولا سكر
وعهدك الغر فى أغوار محتمل
انى لذاكره ما أورق الشجر
كيف اللقاء وقد عز الرحيل وما
يثنى عنانى سوى ما خطه القدر
راحلتى همتى لاتبتغى وطنا
لكن يقيدها الاشفاق والحذر
مونيك كانت لنا أم درمان مقبرة
فيها قبرت شبابى كالألى غبروا
ان الأنيس بها سطر أطالعه
قد بت اقرأه حتى عفا النظر
ثم اصطحبت كميتا استلذ بها
وخلت فى سكرتى ام درمان تحتضر‏
سألت مالك يا أم درمان مهمومه؟
علام تبدين طول الدهر واجمة
متى سترحل عن ظلالك البومه؟
زالت بشاشتنا مما نراك به
تلك البشاشة قد كانت لنا سيمه
قالت لقد دبت الأسقام في بدني
واستحكمت في هزيل الجسم جرثومه
جرثومة أرهقتني غير معلومه
فرحت أسأل أهل الدار محترباً
يا ناس ويحكم أم درمان مكلومه
فقال سكيرها والكأس تصرعه
ساسا سيا ساسيا أم درمان مشئومه
الحر والعبد والمخبول ضاجعها
عجبت هل هذه أم درمان أم روما
إن زانها أدب أو لونها الذهب
ما نفع مظهرها لو جسمها خشب
قل للألي ضاجعوا أمدرمان واغتربوا
كيف المصارع بعد اللهو تنقلب؟
كيف العقارب في لبات غانية
تخفي مساربها أثوابها القشب؟
أبدت مفاتنها هوناً تراودهم
حتى استكانوا وزالت دونها الحجب
لأنت عريكتها حتى أريكتها
نامت عليها رجال بعضهم جنب
الليل ما بذلوا مهر البغي له
والكأس ما طاف في حافاتها الحبب
وغار كوكبهم ما انفض سامرهم
الخمر تسلب وأم درمان تستثب
حتى إذ انتبهت حرقاء من سنة
وقد تحجر في أجفانها التعب
تلمست جزعا أطمار عفتها
كان الذي افتقدت بعض الذي سبوا
ثم استشاطت وقامت كي تناجزهم
وصرح الشر في عينيها والغضب
حتى إذا همدت غلواء جدتها
عادت لسيرتها إذ شاقها الطرب
يا شيخة طرقت من قبل ما يفعت
مشت بسيرتها الركبان والحقب
يا أمنا : من أبونا ما حملت بنا
إلا سفاحاً فكيف اليوم ننتسب؟
هذي نساؤك يا أمدرمان قد رضعت
من عار ثديك لم يحفل بهن أب
بهرجة من حريم بعضها نبهت
لكنها كرهت ما قالت الكتب
من كل ناعسة غيداء آنسة
أصباغها مسحة فالخد ملتهب
ما كنت ترهقنى البلوى وانهزم
لو كان وجهك يا ام درمان يبتسم
انى وحقك لم أحفل لنازلة
فالفتق بعد نزيف الجـرح يـلتئم
لكن تغشت شعاب النفس باخعة
من القنوط وران اليأس والسأم
حملت قيثارة السلوان تصحبنى
عسى يفرّج بعض الكربة النغم
على طوافى بها لم تستكن حرقى
لا ينتهى العزف حتى يرجع الألم
قولى فديتك ياأم درمان واقتصدى
بعد اشتطاطك هل تعلو لنا همم؟
لا الدار تطربنا فيهتاج الفؤاد لها
والناس فى دورهم من طبعهم خدم
والنيل أدكن فى سلساله كدر
مما تبول عليه الناس والغنم
ان شاعر قام فى أحيائهم رنما
جادوا بصمت فباخ الوزن والكلم
أو زهرة نبتت كانت فؤوسهم
لها نشـيـج وأط حـين تجـتـذم
لا الشعر يبعث فى أرواحهم طربا
ولا الزهور لها فى أرضهم حرم
مونيك مازلت فى ام درمان مغتربا
حتى كان وجودى عندها عدم
لكن تبدى سواد صرت ارمقه
فى أفقها قد توارت دونه القمم
اذ سدت الأفق الغربى جائحة
من الطيور تتالت سيلها عرم
طير أبابيل فى مناقرها فلق
من الحجارة فيها النار تضطرم
ألقت حمولتها فى دورهم بددا
والناس هلعى عليها الدور تنهدم
وصارت الناس أشلاء ممزعة
رأس يطيح وساق ما لها قدم
تكدست دورهم من نتنهم جيفا
والنيل تطفو على تياره الرمم
ثمّت عاجت ضباع الأرض متخمة
وحلق البوم والغربان والرخم
وصحت تفزعنى منهم جماجمهم
فالهول يعجز عن تصويره القلم
يا طير مالك وأم درمان كدت لها
بحاصب من عصيب الموت ينتظم؟
هذى الديار التى كانت معاهدنا
أمست خرابا وأمسى الناس قد رجموا
فقالت الطير اذ ألقت حجارتها
يبلى القديم ويبلى بعده القدم
لا تنسجن من ظلال الحزن اردية
أغوت سدوم فأمسى اهلها اخترموا
اغوت سدوم وشطت فى مفاسدها
حتى تردت وحالت دونها الظلم
قد عبدت غيها من جهلها صنما
فراح يدرج اكفانا لها الصنم
لا تجزعن فلهيب النار طهرها
ما عاد رجسا على اصلابها رحم
اذا امّحت أمة من سوء ما اقترفت
تعاقبت بعدها فى أرضها أمم
سينبت العشب لكن فى مواسمه
ويكسب الأرض خصبا هاطل رزم
حلقت الطير فى الأجواء راجعة
وجلفت من حرور القلب ما يصم
اتبعتها مقلة شدت أواخرها
حتى توارت وسحّت بعدها الديم
قالت وقد جئت لام درمان تأوينى
أما تخاف بها لدغ الثعابين
من كل ملساء لايبدو لها أثر
لا تقذف السم الا بعد تمكين
ولا اخالك تنجو ان اصبت بها
رقطاء لذعتها بين الشرايين
فارحل رحيلك ان الدار مهلكة
تلك الثعابين من أعقاب فرعون
نشدت الله هل فى الأرض متسع
غربا الى فاس أو شرقا الى الصين
شرق الى الصين أو من دون ذا بلد
فيه أحـلق أو قـبر يـوارينى
فقد رأيتك ياأم درمان باخسة
منى العطاء عطاء غير ممنون
وقد حبوتك ياام درمان من كلمى
حكمة موسى جلاها نطق هارون
لكن وجدتك ياخرقاء معضلة
جمعت بين شريف العفل والدون
حينا يطوف ببيت الله ساكنها
سعيا وحينا على اعتاب لينين
فقلت شأنك ياام درمان حيّرنى
معوجّة الفكر أم منقوصة الدين؟
هل من سبيل الى عقلى أظل به
قد انتسبت الى قوم مجانين
باخوس أنت اله الخمر هات لنا
من خمر تكريت او من خمر جيرون
سلافة عتقت فى دنها حقبا
من عهد قارون أو من قبل قاورن
حتى أرى فى خيال السكر منطلقى
فى قلب باريس أو فى ضفة السين
وهل شتيت من الغزلان أرقبه
أم تلك طائفة من حورها العين
وهل سنا بارق أم رابنى بصرى
أم وجه مونيك ذات الحاجب النونى
تحول دونك يامونيك شرذمة
من الطغام وأرض كم تعادينى
ياريح عاد تحرى أين موقعها
وفجرى فوقها غيظ البراكين
واجعل الهى لهيب النار ألسنة
مما تكون به ألحان نيرون
واستقص شأفتهم واقطع سلالتهم
واعصف بطينتهم ياخالق الطين
انك ان لا تسويهم بأولهم
لا يلدوا غير أنماط الشياطين
من كل مأفونة لخناء داعرة
تسعى الى الفحش فى أحضان مأفون
وكل أفعى تنشّ الليل فاغرة
ترياقها من ركيك الناس تكرونى
نار المجوس لأنت الخصب فاتّقدى
حتى يكونوا نماء للرياحين
قرباننا فحمة أم درمان اذ حرقت
لا ينبت العشب من غير القرابين
error: Content is protected !!