يرفض الذهاب إلى المدرسة ويكره البقاء في المنزل، فهناك ضرب وهنا ضرب، رغم أن ضرب الأطفال في المدارس وفي غيرها ممنوع بحكم القانون في كل البلاد المتحضرة وهذا منصوص عليه في اتفاقيتي حقوق الإنسان وحقوق الطفل، وتنص المادة (16) من اتفاقية حقوق الطفل للأمم المتحده على أنه لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بسمعته أو بشرفه.
وما يحدث إلى الآن في المدارس من تواطؤ سكوتي إزاء ممارسة الضرب في المدارس رغم صدور قرار بمنعه ينذر بالخطر، ويشي بعدم احترام القانون وانتهاكه في مؤسسات تضع التربية السوية والسليمة ضمن أهدفها الرئيسة كالأسرة والمدرسة اللتين يتعرض كثير من الأطفال بين ظهرانيهما للعنف البدني واللفظي.
البحث عن الأسباب الحقيقة
إذ قال بعضنا بأن هيبة المعلم قد فقدت، فإنه لن يستطيع استعادتها باللجوء إلى ضرب التلاميذ والطلاب، لذلك.فإنه أجدر بالمعلم أن يبحث عن الأسباب الحقيقية لفقدانه هيبته بدلاً من أن يُسقط العملية التربوية والتعليمية برمتها، وإذا قال بعضنا في المقابل إن الآباء فقدوا بوصلتهم إزاء تعاملهم مع أبنائهم، فإن عليهم معالجة الأمر بأساليب أخرى ليس من بينها الضرب، لأنه السبب الرئيس في إبداء عدم الاحترام له، وأن على الأب أو الأم أن يبحثا عن سبب خوف أبنائهم منهم، الذي يصل أحياناً حد الكراهية.
آثار خطيرة
بعض المعلمين للأسف الشديد لا زالوا يرون في الضرب وسيلة جيّدة لتعليم وتأديب الطلاب، بينما يجزم كل الأشخاص المُدركين بخطأ هذه المقولة، بالطبع يسعى كل معلم لنيل احترام طلابه، ولكن كل التجارب تقول إنه لن يحصل على ما يريد باستخدام الضرب، وإنما بالتعامل الحسن والحوار الهادئ المثمر والصبر على بعض السلوكيات الخاطئة وتمرد الطلاب.
من الآثار التي يتركها المعلم القاسي على الطالب أنه يجعله يخاف منه ولا يحترمه، فيكون هذا حاجزاً خرسانياً بينه والطالب لدرجة أن الأخير لا يستطيع أن يسأل المعلم سؤالا حتى حول الدرس، تحسباً لرد فعل عنيف من قبل الأول حتى ولو كان على مستوى السخرية منه، لذلك فإن التعامل القاسي يعلم الطفل الطاعة العمياء بدلاً من النقاش والثقة بالنفس.
يقول علماء التربية إن الضرب يؤدي إلى العناد بدلاً من السمع والطاعة، ولأن مهنة التدريس ليست سهلة بل شاقة وشديدة الصعوبة والوعورة، فإنها تحتاج كوادر بشرية مؤهلة لها ليس علمياً فقط وإنما نفسياً في المقامالأول، كوادر متفهمة للعلاقة بين التعليمي والتربوي، لذلك يفترض أن تكون قدوة حسنة في كل شيء، ولكي تكون كذلك فعليها أن تستبعد الضرب تماماً وتخرجه من ذهنها إلى الأبد.
نظرة حاسمة تكفي
في حالة أن يُحدث أحد طلابي هرج شديد، أكتفي بنظرة حاسمة، هكذا ابتدرت الأستاذة علوية حديثها عن الأسلوب الذي تراه سليماً في التربية. وواصلت: في السابق كانت هيبة المعلم تضاهي – وربما تفوق – هيبة الأب والأم في المنزل، ولو أن أحداً منا رفض القيام بواجبه كان أهله يهددونه باسم (أصعب مدرس) فيركض بأقصى سرعة ملبياً النداء.
ولكن الآن أصبح كل شيء مختلف وغريب، حتى العلاقة بين المدرسين وطلابهم أضحت دون حدود واضحة، وربما هذا ما جعل المعلمين يفقدون هيبتهم، فيضطرون إلى اللجوء إلى التعامل مع الطلاب بفظاظة حتى يستعيدون تلك الهيبة المفقودة، وهيهات.
حماية متبادلة دون عنف
يعتقد بعض المعلمين بأن العملية التعليمية لايمكن أن تُنجز على وجه متقن دون السيطرة على الطلاب عبر التهديد والضرب إنما يعكس ضعفاً في مهاراتهم التعليمية وعجزاً في قدرتهم على إدارة الصف، فمن المعروف أن التربية الإيجابية تتم من خلال ثلاثة عناصر هي: (القدوة، الثواب، ثم العقاب)، وهكذا فإن العقاب يأتي في ذيل الوسائل التربوية، وهو هنا لا يعني الضرب أبداً، وإنما عقوبات أخرى لا تؤثر في الطالب نفسياً أو بدنيا ولا تجرح كرامته، مثل حرمانه من بعض الأنشطة التي يحبها، أو استدعاء ولي أمره لمحاسبته، أو حرمانه من بعض درجات المواد، وقد تكون هناك مشكلة في بعض المدارس الثانوية حيث يمارس بعض الطلاب عنفا تجاه المدرسين، وقد يتحالف ولي الأمر مع ابنه المعتدي على المدرس، وهنا يأتي دور الإدارة في حماية كرامة المدرس.
الفعل أقوى من القول
يقول الطب النفسي إن التأثر بالفعل أقوى من التأثر بالقول، والحوارات اللفظية والحركية بالعيون والإشارات والإيماءات أكبر أثراً ونتائج من العنف، فعلى المربي تخصيص وقت للأبناء يشعرهم فيه بالأمن النفسي باتباع خطوات عدة، منها اتباع الحوار منهجاً في التعامل، وإشعار الأبناء بالاحترام، والتعرف على هواياتهم، ومشاركتهم أنشطتهم، وإشراكهم في المسؤولية بإعطائهم بعض المسؤوليات، وعدم التدقيق على نتيجة تلك المسؤولية، فليس من السهل التغيير نحو الأحسن، فهم المرحلة العمرية للأبناء.. اجعل ابنك يشعر بأنك تحترمه وخاطبه مستخدماً كنيات المشاهير، إضافة إلى استخدام كلمات مثل (لو سمحت، لو تفضلت)، واحرص على الملامسة الجسدية بينك وبين أبنائك، ومن تربيت على الرأس وامساك يدهم ولا تقارن بينك وبين أبنائك، كأن تقول كنت كذا وكذا وأنت كذا وكذا، فهذا من أهم الخطط التي يجب أن يتبعها الوالد تجاه أبنائه.
الخرطوم: دُرِّيه مُنير
اليوم التالي
error: Content is protected !!