في العام 1994م كنت رئيساً لشرطة كرري ( الثورات ) ، وأنا في رتبة العقيد شرطة ، حضرت مبكراً صباح جمعة ما لزيارة قسم الشرطة ، فوجدت حراسة المنتظرين مكتظة بالمشتبه بهم وبهنَّ جراء أفعال ليالي الخميس زمانئذٍ ، أثناء تفقدي الأحوال أخطرني الرقيب المناوب بأن ثمة فتاة ثلاثينية تم احضارها عند الواحدة صباحاً وبصحبتها رجل ، بعد أن تم ضبطهما وهما عاريان تماماً داخل منزل بالحارة ( …) بواسطة الملازم أول ” م ” ورهط من اللجنة الشعبية بالحي .. أين الرجل !!؟ .. داخل الحراسة !؟ أين الفتاة !؟ داخل مكتب الضباط !؟ ولماذا داخل مكتب الضباط !!؟ الفتاة شبه عارية ، إلا من قميص نوم و( فِرْكَةٍ قرمصيص ) تغطي بعض عورتها ! وأين ملابسها !؟ الملازم أول ” م ” قال يحتفظوا بملابسها في مخزن المعروضات عشان المحكمة !! لا حول ولا قوة الا بالله !!! اصطحبته لتحري أمرها فسبقني أنفي متكرفاً روائح الخمرة والدلكة ، وبعدها لحظت الفتاة ، وهي تحاول عبثاً لملمة فركتها القصيرة المُتعَبة بحثاً عن سترة ، ولَّيت راجعاً ووجهت الرقيب المناوب بتسليمها ملابسها كاملة لترتديها ، ومن ثم إحضارها لمقابلتي بالمكتب برفقة الرجل ، الذي تم ضبطه معها وهما على متن سرير واحد !!. تم احضار الرجل والفتاة وهما على قدر من الصحة والمنعة ، وتبدو عليهما آثار الدعة والنعمة ، كانا متألمان ومتأثران للموقف المحرج الذي أوقعهما فيه القدر .. باغتُّه بالسؤال ، يا زول الحاصل شنو !؟ بت الناس دي بتعرفها من وين وجبتها من وين !؟ كانت الفتاة وقتها مطرقة على الأرض خجلة وهي تجهش بالبكاء .. قال لي بكل ثقة : دي زوجتي يا سعادتك ! زوجتك كيف يا رجل ؟ زوجتي على كتاب الله وسنة رسوله !! وبعدها أخرج من جيبه جواز سفره وعليه إقامة بالمملكة العربية السعودية ، ومعه نفس المرأة مرفقة صورتها بجواز السفر ، ومرفق معهما طفل ذكر وطفلة أنثى ، هما أبناؤهما بالاسم والصورة .. المهنة زوجة !! دا كلام شنو دا !!؟ طيب جابوكم هنا كيف !؟ قال لي : والله يا جنابو أنا ذاتي مستغرب !! الحقيقة أنا من سكان بري الدرايسة ، ومقيم بالسعودية ، وزوجتي دي ليها فترة مع أهلها هنا ، وأنا جيت في إجازة ، وبيت أهلها في بُرِّي ضيق ومليان ضيوف ، اقترح عليَّ صديقي ” حسن ” والذي قدر موقفي الاجتماعي أن أستعين بمنزلهم بالثورة ليلاً ، لمباشرة حياتي الزوجية المعلومة ، وبالنهار أرجع لأطفالي في البيت الكبير ، حتى تنتهي إجازتي… وبعدين !؟ البارحة منتصف الليل داهمتني قوة من الشرطة واللجنة الشعبية وقفزوا من فوق الحائط ، وجدوني وزوجتي كما خلقنا الله على سرير واحد ، فاعتدوا علينا وضربونا وخفرونا ضيوفاً بحراستكم ، بالرغم من محاولاتي عبثاً اقناعهم بأنها زوجتي . بالخلعة كابست جلابيتي ، وسروالي ذاتو لبسته أقلب … عرضت عليهم جواز سفري و إقامتي وصورة زوجتي داخل جوازي كإثبات ، وحاولت اقناع الضابط ولكنه صفعني وسألني وين قسيمة الزواج ؟ .. طلبت منهم امهالي وارسال شرطي معي لاحضار القسيمة ، ولكنهم رفضوا وأركبونا في بوكس كاشف وزوجتي شبه عارية ، ولم نسلم من الاساءات البذيئة والتهديد !! المهم دا الحصل بكل أسف !!! ..
لم يكن أمامي شئ سوى الاعتذار بشدة لهذا الرجل ولزوجته ، وعلى الفور وجهت باتخاذ اجراءات منفصلة وفتح يومية تحري عاجلة ، وارفاق جواز السفر كاثبات ، ورفع الأمر لمولانا المغربي وكيل النيابة ، مع التوصية بشطب البلاغ ، واطلاق سراح الزوج وزوجته فوراً .. تم الأمر ، فقمنا بتوصيلهما بعربة الشرطة الى نفس المنزل الذي شهد الحادثة ، حتى يعلم الجيران وأهل الحي حقيقة الأمر قبل صلاة الجمعة ، وأيضاً تم توصيلهما الى منزلهما الكبير ببري الدرايسة ، ولسانهما يلهج بالشكر لله على الأوبة الآمنة ، ولملمة الموضوع بحكمة … فوجئنا في اليوم التالي بالرجل يحضر لرئاسة القسم وبصحبته أربعة لساتك جديدة ، وبطارية لعربتنا شبه الملجنة ، والتي أوصلتهم بعد أن ( ضربت ) إطارين في الطريق وتم ( دفرها ) عدة مرات لتلف البطارية وكل ذلك بجانب ثلاثة ( باكتات ) ورق فلسكاب للتحري كهدية لقسم الشرطة الفقير !!! أما ضابطنا الهمام الذي أساء تقدير الموقف فهو الآن برتبة العميد شرطة ، وقبل التمكين الانقاذي الذي أتى به ، كان برتبة الرقيب ( كاتب ) بالقوات المسلحة … بالطبع أصدرنا توجيهاتنا اللازمة القائلة بعدم قبول أو تدوين أي بلاغ من قبل جماعة اللجان الشعبية ، والشرطة الشعبية بخصوص بلاغات أمن المجتمع وبالأخص ليلاً ، إلا بعد موافقة رئيس القسم شخصياً . توقفت هذه المهازل فوراً ، ولكن الضربة القاصمة أتتنا عاجلاً من السيدين الوزير العقيد عبدالرحيم محمد حسين ، والمدير العام الفريق حسن أحمد صديق ، فقد تم استدعائي لمكتب الوزير ومن ثم تقريعي بسبب شكوى وردت اليهما من معقل الكيزان المشهور بالحارة التاسعة ، بعدم تعاوني مع ( ناس ) اللجان في بلاغات ضبط المجتمع !!! ، تم نقلي الى ولاية غرب الاستوائية بعد أن تم تدوين اسمي ورتبتي بقلم ( Bic ) ، بعد آخر ملازم تم نقله في كشوفات مارس 1994م ، نفذت النقل ولم أعد للسودان إلا على آلة الصالح العام الحدباء محمول داخل طائرة كارقو في 30/10/1996 ، حيث لا بواكي ولا يحزنون … فيا ترى أين زول بري الدرايسة الذي عاشر زوجته متكئاً على جواز سفر ممضي بواسطة وزير الداخلية نفسه عبدالرحيم م حسين وبه تنويه يقول ( يرجى تقديم المساعدة اللازمة لحامله ) فهل يا ترى قدم الملازم قائد الكشة المساعدة لحامله أو حاملته !!!؟ ليس بعد .
عباس فوراوي ….
23/12/2019
error: Content is protected !!