لئن كانت المحاورة التى أوردنا سالفاً بين ابن تيمية وابن عطاء الله السكندرى مثالاً للحوار السمح بين مختلفين فى الرأى والمذهب، فإنها كانت إستثناء على الدارج من السلوك بين الفرقاء. فالخلاف بين السلفيين والمتصوفة كان فى غالب الأحوال نزاعاً لا خلافاً وصراعا ً لا هوادة فيه، يغذيه التعصب وتزكيه النفس وإتهام الآخروبذل غاية المسعى إلى إبعاده وإقصائه.وما أشبه اليوم بالأمس والليلة بالبارحة،فما يدور هذه الأيام من جدال محموم حول بعض مراجعات المنهج التعليمى فى مادة التربية الإسلامية ينبيك عن حالة التجاذب والتعصب التى تكتنف المشهد الدينى بالبلاد. فمجرد تعديلات محدودة لتجاوزبعض المسائل الخلافية التى قد يساء فهمها أدت إلى إحتدام المنابر والأسافير بالجدل المحموم بين طرق التصوف والجماعات السلفية وهو جدال ليس له إلى الحسنى نسبة ولا جوار.
جدل أهل التصوف وأهل السلف:
والجدل المستعر هذه الأيام إنما يدور حول ذات المسائل التى تحاورحول بعضها شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ المتصوفة فى زمانه ابن عطاء الله. وهى قضايا الشرك والشعبذة أو الشعوذة والولاء والبراء. فما تم حذفه من المنهج إنما إتصل ببعض الخلاف فى فروعيات يراها السلفيون شركاً أو سلوكاً مفضياً إلى الشرك، ويعطيها المتصوفة معنى آخر. أو هى سلوكيات يجعلها السلفيون أمورا داخلة فى باب الدجل والشعوذة ، ويدخلها المتصوفة فى باب التبرك أو المعالجة. ولما كانت هذه القضايا مما يسبب الخلاف ، أرتأى المخططون التربويون إبعادها عن المنهج . من ثم معالجتها معالجة لا تكون مثيرة للجدل ، فما يحسن أن تكون معانى الدين ومفاهيمه موضع جدال كبير فى الفصول الدراسية . وأياً ما يكون صواب التقدير أو خطأه ، فإنه كان يسع أهل العلم من الفريقين الجلوس للتحاور والمدارسة ولإقتراح أفضل مقاربة لتفهيم الأجيال الجديدة مسائل العقيدة. ولعل الدرس المستفاد هو ضرورة التأنى عند دراسة أمور المناهج التعليمية والتربوية، فلئن كانت المجالس التشريعية تتأنى وتعقد مجالس للإستماع للخبراء وذوى الإهتمام والمصلحة قبل إمضاء التشريعات ،فإن أمر المناهج التربوية أجل وأعظم من أمر كثير من التشريعات ويحسن بعلماء التربية مهما كانت حظوظهم من التخصص والمكنة العلمية، قبل إمضائهم شأن المناهج، أن يستمعوا للخبراء والعلماء من خارج التخصص التربوى وينصتوا بإهتمام لأولى المصلحة من الأمهات والآباء وسواهم من ذوى الإهتمام بشأن تحضير الأجيال لمستقبل أفضل.واما خطباء المنابر والعلماء بالجامعات والهيئات والروابط والمجامع يجديهم أن يعلموا أن حدة النزاع بينهم إنما تفضى إلى إنفضاض الأجيال الجديدة عن مجالسهم ومنابرهم التى غدت أقرب للأحزاب السياسية فى مواقفها وطرائق خطابها ولئن كان الشباب قد إنفضوا يأساً من الاحزاب فإن هم إستئيسوا من خطباء الدين وعلمائه فإلى أين؟
الصوفيون والسلفيون..هل من سبيل إلى كلمة سواء؟
لئن كان القرآن الكريم قد دعا أهل الكتاب إلى كلمة سواء فقال (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) الآية 64 آل عمران والكلمة السواء هى الكلمة العدل كما يقول الطبرى ولئن كنا مدعوين للكلمة العادلة مع أهل الكتاب فكيف بأهل الملة الواحدة، ولئن كنا مدعوين ألا نجادل أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن فكيف بأهل الملة الواحدة.ولن نبلغ إلى ذلك إلا بمجانبة التعصب وبالإستيقان أن الفريق الذى نوافقه الرأى لا يملك الحقيقة كاملة ، وإنما هو مجتهد لبلوغها ويتوجب عليه إلتماسها عند الأولياء والفرقاء على حدٍ سواء. ولكن الأدب السائد هو حسن الظن بالنفس وإساءة الظن بالفرقاء.وأسماء الفرق ذاتها تدلك إلى ذلك فهؤلاء يسمون أنفسهم أهل السنة والجماعة ثم يخرجون من هذا المسمى طوائف تعد أضعاف أضعاف جماعتهم من جماعات الأشاعرة والماتريدية والمتصوفة ممن لم ينسبوا أنفسهم إليهم. وهاهم المتصوفة يطلقون على أنفسهم اسم أهل الطائفة يلمحون إلى أنها هى الطائفة الناجية أو هم يسمون أنفسهم القوم، قوم الله أو أهل الله فكيف بالآخرين ؟وعجيب أن التصوف قام على مبدأ عدم الرضا عن النفس ، ولكن كثيرا من المتصوفة اليوم لا يتحرون هذا المبدأ إلا على الأساس الفردى الشخصى ولا يطبقونه على الجماعة . وإلا لعلموا أن تزكية القوم والرضا التام عن سائرهم وسائر تصرفاتهم مخالفٌ لمبدأ عدم الرضا عن النفس، سواء كانت ذاتاً فردية أو جماعية.وكلا الفريقين يزعم أنه يتخذ مذهباً هو السبيل إلى توحيد الله سبحانه وتعالى ونفى الإشراك به فى كل حال.
التصوف أساسه مغالبة النفوس:
والتصوف أساسه مغالبة النفوس لأحياء البواطن كيما تزهر الظواهر فما تنمو شجرة طيبة يانعة بغير جذور ضاربة فى بواطن الارض . والحركة الصوفية مثلها كمثل الحركة السلفية نشأت حركة إحيائية تريد إحياء روح التدين الحق بعد أن سادت ثقافة المفاهيم الظاهرية للدين وأنتشرت الخطابات الجدلية البرهانية الكلامية . فمرادهم كان إحياء المعانى الباطنة للدين لتتوازن مع المعانى الظاهرة. وهم يريدون للناس أن لايتركوا ظاهر الأثم فحسب بل أن يتركوا باطن الإثم أولاً وهم يريدون للناس أن لا يبرزوا ظاهر البر فحسب بل أن يبطنوا باطن البر أولاً لأنهم يوقنون إن الإستقامة الحقة هى إستقامة القلوب، فهى إن صلحت صلح سائر العمل وإن فسدت فسد سائر العمل. وعلى هذا المنهج سار الأولون الذين ينسب المتصوفة أنفسهم إليهم فقد كانوا عُباداً ولم يكونوا فلاسفة متكلمين ولا فقهاء ظاهريين ، كانوا عُباداً تفقهوا بالعلم من مشاربه الصافية التى لم يكدرها الجدال ولا التعصب وحملوا أنفسهم على مكابدة الأحوال فنالوا علومهم الباطنة بالذائقة وهى لا تنال إلا بالترقى فى الأحوال.والصوفيون ينسب غالبهم بدء أمرهم إلى الحسن البصرى وبعضهم ينسبه إلى أويس القرنى وكلا الحسن وأويساً كانا عالمين عابدين من أبكار التابعين وكلاهما عاصر عمراً بن الخطاب.ونشأ البصرى فى بيت أم المؤمنين أم سلمة وقيل إنه أبنها بالرضاعة.وقيل إن عمراً بن الخطاب قد دعا له فقال ( اللهم فقهه فى الدين وحببه إلى الناس ) وقد كان فصار الحسن البصرى من أفقه التابعين وأعبدهم وأحبهم إلى الناس.وغالب اهل العلم بالتاريخ ينسبون أصل الدعوة الاحيائية السلفية فى أصلها الأول للحسن البصرى الذى شهد مبدأ الفتن السياسية والكلامية بعد مقتل عثمان رضى الله عنه واختلاف الناس بين على والزبير ومعاوية رضى الله عنهم أجمعين .وشهد نشأة الكلام تفرعاً من الخلافات السياسية وكان هو من كان يرد الناس إلى منهج الصحابة عليهم الرضوان فى تحرى السنة وترك الجدل الذى لا يزيد الناس إلا إفتراقا وإحتراباً.فهو قد نشأ فى بيت أم المؤمنين وعاش مع الصحابة عليهم الرضوان وسمع منهم بلا وسيط وتعلم منهم ، وقيل إنه شهد يوم تسلل المتسللون فقتلوا خليفة المسلمين عثمان ذى النورين رضى الله عنه وكان الحسن يومها ابن أربع عشرة سنة . وقد أنتقل الحسن بعد الفتنة إلى البصرة التى صار ينسب إليها وخرج منها للجهاد لعشر سنين ثم عاد إليها وإلى مجالس علمه التى إجتذبت إليها علماء الناس وأخيارهم. وقد كان واصل بن عطاء مؤسس مدرسة الإعتزال من نجباء تلاميذ الحسن البصرى وإختلف مع طريقته فى التبسيط والتسليم . وقد حكوا أن واصلاً سأل الحسن البصرى عن عصاة الموحدين فقال الحسن رضى الله عنه هم تحت المشيئة إن شاء الله عذبهم وإن شاء غفر لهم فقال واصل بل هم فى منزلة بين المنزلتين ثم أعتزل حلقة الحسن وأنشأ حلقته المنفصلة فى المسجد فقال الحسن إعتزلنا واصل فكان أن سميت المعتزلة من إعتزال واصل بن عطاء لحلقة شيخ العلماء الحسن البصرى.
مناهج المتصوفة:
وقد كان منهج غالب المتصوفة من بعد الحسن على طريقة الحسن البصرى التى هى نهج علم وعمل لا فلسفة وكلام . وكان من أعلامهم الفضيل بن عياض العالم العابد الذى كان يستمطربه أهل الشام الغيث أيام القحط ، ومنهم إبراهيم بن ادهم العابد الزاهد وكان دخل مكة وصحب أبا سفيان الثوري والفضيل بن عياض ودخل الشام ومات بها، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه مثل الحصاد حراسة البستان وسائر الأعمال اليدوية ، ومن أصحاب الحسن من نبغ فى علوم الفلسفة والكلام وكان من أعلام هؤلاء الصوفية بصرى آخر هو الحارث المحاسبى.وقد إكتسب الحارث بن أسد كنيته من كثرة معاتبته ومحاسبته لنفسه وهو صاحب أكثر كتب التصوف تأثيراً فيمن جاء بعده، فهو صاحب كتاب الوصايا وكتاب الرعاية لحقوق الله وكتاب التوهم وكتاب رسالة المسترشدين ، ولد فى عام 170 هجرية و عاصر الإمام أحمد بن حنبل وأختلف معه فى منهج التصدى للمعتزلة قبل أن يتصدى لهم الأشعرى وكتب كتابه المسمى العقل فى الرد على المعتزلة بالمنهج البرهانى وكان الامام أحمد يأخذ عليه نزعته الصوفية إلى جانب نزعته العقلية.وقد روى ابن كثير موقفا يخبرك عن العلاقة بين الإمامين العلمين. روى ابن كثير
في كتابه (البداية والنهاية ) في أحداث سنة إحدى وأربعين ومائتين في سيرة الإمام أحمد
: وقال إسماعيل بن إسحاق السراج قال لي أحمد بن حنبل: هل تستطيع أن تريني الحارث المحاسبي إذا جاء منزلك؟
فقلت: نعم، وفرحت بذلك، ثم ذهبت إلى الحارث؛ فقلت له: إني أحب أن تحضر الليلة عندي أنت وأصحابك
فقال: إنهم كثير؛ فأحضر لهم التمر والكسب
فلما كان بين العشاءين جاءوا وكان الإمام أحمد قد سبقهم، فجلس في غرفة بحيث يراهم ويسمع كلامهم ولا يرونه، فلما صلوا العشاء الآخرة لم يصلوا بعدها شيئا، بل جاءوا بين يدي الحارث سكوتاً، مطرقي الرؤس، كأنما على رؤسهم الطير، حتى إذا كان قريباً من نصف الليل سأله رجل مسألة؛ فشرع الحارث يتكلم عليها وعلى ما يتعلق بها من الزهد والورع والوعظ، فجعل هذا يبكي؛ وهذا يئن وهذا يزعق.
قال: فصعدت إلى الإمام أحمد إلى الغرفة، فإذا هو يبكي، حتى كاد يغشى عليه، ثم لم يزالوا كذلك حتى الصباح فلما أرادوا الانصراف قلت: كيف رأيت هؤلاء يا أبا عبدالله؟
فقال: ما رأيت أحدا يتكلم في الزهد مثل هذا الرجل، وما رأيت مثل هؤلاء ومع هذا، فلا أرى لك أن تجتمع بهم . والحارث المحاسبى هو شيخ الإمام ابوحامد الغزالى وشيخ الإمام الجنيد شيخ الطائفة الصوفية.وقد قال عنه الغزالى فى كتابه إحياء علوم الدين ذاكرا خلافه مع الامام أحمد بن حنبل ذاكراً ان خلاف الامامين كان حول ردود المحاسبى على المعتزلة بذات منهجهم قال الغزالى : قال أحمد بن حنبل لا يفلح صاحب الكلام أبدا ولا تكاد ترى أحدا نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل ، وبالغ – يعني الإمام أحمد – في ذمه حتى هجر الحارث المحاسبي مع زهده وورعه بسبب تصنيفه كتابا في الرد على المبتدعة وقال له : ويحك ألست تحكي بدعتهم أولا ثم ترد عليهم ؟ ألست تحمل الناس بتصنيفك على مطالعة البدعة والتفكر في تلك الشبهات فيدعوهم ذلك إلى الرأي والبحث. ولكن الإمام الحارث المحاسبى لم يكن رجل فلسفة وكلام رغم إستخدامه لمنهج الكلام والفلسفة ، بل كان صاحب عبادة وأحوال وتقشف وتزهد حتى أخذ عليه البعض نهجه هذا وعدوه من الرهبانية المنهى عنها. ورغم إنتقاد أبن تيمية للمحاسبى فقد عده فى أهل السنة والجماعة وذكره مع الامام أحمد بن حنبل فى سياق واحد إذ يذكر فى الرسالة الصفدية (ولهذا كان في كلام السلف كأحمد والحارث المحاسبي وغيرهما اسم العقل يتناول هذه الغريزة … من الصفدية 2/ 257 )
ويصدق قول ابن تيمية أقوال وتقريرات عديدة للحارث المحاسبى تؤكد إلتزامه بمنهج السلف الصالح فى تناول شأن العقيدة، يقول الحارث في كتابه (شرح المعرفة وبذل النصيحة )ص70
(وأعون الأمور لك علي التقوى لزوم طريق أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ، وإياك والمحدثات من الأمور ، والرغبة عن طريقهم ؛ فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة والضلالة وأهلها في النار ، أعاذنا الله تعالي وإياك من النارواعلم أنك إذا أخذت طريق أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ، فقد أخذت بغاية الصدق، وأفلحت حجتك ، ونلت بغيتك ، فلا تخالفهم في شيء من الأشياء ؛ فإنهم كانوا علي الحق المبين ، والنور الواضح ، فاتبع سبيلهم ومنهاجهم ، ولا تعرج عنهم فيعرَّج بك ، ولا تخالفهم فيخالَف بك.)
وأما الإمام الجنيد فقد كان على طريقة المحاسبى فى الزهد والعلم ومغالبة النفس وكان خاله السرى السقطى من أصحاب الحارث المحاسبى وبشر بن الحارث الحافى وقد تأثر الجنيد بالسقطى والمحاسبى وبشر الحافى تأثراً بليغاً ، وكان على منهج الكتاب والسنة بلا تلجلج وكان يقول (الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من إقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقول: من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به فى هذا الأمرلأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة) وقد قال عنه أبن تيمية (الْجُنَيْد مِنْ شُيُوخِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْمُتَّبِعِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّة) وقال فى سياق ذكره وذكره أصحابه :
(وَهَؤُلَاءِ الْمَشَايِخُ لَمْ يَخْرُجُوا فِي الْأُصُولِ الْكِبَارِ عَنْ أُصُولِ « أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ «؛ بَلْ كَانَ لَهُمْ مِنْ التَّرْغِيبِ فِي أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَالدُّعَاءِ إلَيْهَا ، وَالْحِرْصِ عَلَى نَشْرِهَا ، وَمُنَابَذَةِ مَنْ خَالَفَهَا ، مَعَ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ مَا رَفَعَ اللَّهُ بِهِ أَقْدَارَهُمْ ، وَأَعْلَى مَنَارَهُمْ ، وَغَالِبُ مَا يَقُولُونَهُ فِي أُصُولِهَا الْكِبَارِ : جَيِّدٌ ، مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يُوجَدَ فِي كَلَامِهِمْ ، وَكَلَامِ نُظَرَائِهِمْ ، مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَرْجُوحَةِ ، وَالدَّلَائِلِ الضَّعِيفَةِ ؛ كَأَحَادِيثَ لَا تَثْبُتُ ، وَمَقَايِيسُ لَا تَطَّرِدُ ، مَعَ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْبَصِيرَةِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ) كل اصحاب الجنيد من أمثال أبى بكر الشبلى ممن يدخل فى تزكية أبن تيمية وأما قوله إنه يوجد فى كلامهم بعض المسائل المرجوحة فهو جارٍ أيضا على أصحاب شيخ الاسلام من السلفيين ولو أن الجميع تواضعوا لله وتركوا العصبيات الصغيرة لرفعهم إليه مقاما علياً من العلم والعرفان. وقد يشتد السلفيون على بعض اهل التصوف من أهل السنة من أمثال أبى طالب المكى صاحب كتاب قوت القلوب الذى يعد مرجعاً من مراجع التصوف ورغم أن شيوخهم يزكون عبادته ونهجه فيقولون إنه كان رجلاً صالحاً مجتهداً فإنهم يأخذون عليه إستشهاده بإحاديث يعدونها ضعيفة أو لا أصل لها ولكن ما يفوتهم هو النقد الجدى للتعاليم والتوجيهات التى أوردها فلرب حديث ضعيف يستند معناه إلى عشرات الآيات والأحاديث الأخرى التى تعضدمعناه وتثبته وقد راجع الامام الغزالى كثيرا مما ذكره أبو طالب المكى فى كتابه إحياء علوم الدين.وقد إستفاد الغزالى أيضا من الأمام القشيرى صاحب الرسالة القشيرية فى التصوف وصاحب الامامين الإمام الجوينى والباقلانى وهو كان على مذهبهم الأشعرى فى العقيدة وعلى مذهبهم الشافعى فى الفقه وكذلك كان الامام الغزالى على طريقة إمام الحرمين الجوينى والإمام الباقلانى وأما الغزالى فهو من هو العلامة الفارقة فى تأريخ المدرسة الاشعرية والفقه وأصول الفقه والفلسفة والتصوف. ولئن كان الحسن البصرى بداية مرحلة التصوف الاولى، فإن الغزالى بداية حقبتها الثانية بل بداية حقبة جديدة فى تاريخ العلوم الإسلامية .
نواصل
د. أمين حسن عمر
مقالات د. امين حسن عمر>>
error: Content is protected !!