في العام 2011م، أتيحت لي فرصة المشاركة وحضور دوره تدريبية في مهارات التعامل مع الجمهور في المطارات لضباط وضباط صف بإدارة الجوازات وأمن المطار والجمارك في تلك الدولة العربية المهمة، نظمتها الهيئـة البريطانيـة ركزت على تأهيل وتنمية مهارات منتسبيها في مجال العمل الأمني المتعلق بالجوازات والجمارك، وتطبيق الجوانب الأمنية في حركة دخول وخروج المسافرين من وإلى الدولة، وحث المشاركين على المواظبة والمتابعة خلال الدورة وعلى بذل مزيد من الجهد لتطوير مهاراتهم والاستفادة مما يتلقوه من معلومات وتطبيقه في مجال عملهم في قسم جوازات المطار، وهدفت الدورة إلى تزويد المتدربين بالمعارف والمهارات والميول اللازمة لتقديم خدمة مميزة والمحافظة على أفضل سلوك للتعامل مع المسافرين والجمهور من خلال محاضرات نظرية تتطرق إلى عدة نقاط، منها واجبات ومسؤوليات موظفي الخط الأول في المطار، ومهارات التواصل مع الآخرين، وتحليل أنماط الشخصيات والسلوك الإنساني، ودراسة وتوقع ردود أفعال الناس والسيطرة على المواقف التي تفرضها بعض الظروف الخارجة عن الادارة حتى تجد ذلك القبول عند القادمين او المسافرين عبر تلك المطارات، لاسيما المسافر يكون دائماً في حد (تنشنة) حتى وصوله الى الوجهة التي يقصدها، والواقع الذي رأيته في تلك الليلة أثبت لي بأننا بعيدين كل البعد عن كثير من التأهيل والتدريب، ونحتاج لجراعات كبيرة لمعالجة كثير من قضايانا.
الخميس الماضي دخلت بطريقة رسمية الى داخل صالة الوصول بمطار الخرطوم (الدولي) وانا استقبل اخي وصديقي (ابوخالد) القادم من امارة دبي بعد طول غياب، كنت في انتظاره جلوساً خارج دائرة الجمارك ولكن انتظاري طال فقد اعلنت سلطات الطيران عن وصول الرحلة رقم «631» فلاي دبي والقادمة من دبي وصديقي اعلم انه خفيف في هذه الرحلة فظروف طارئة اجبرته على أن يقرر الحضور في نفس اليوم، سألت من يجاورني (إنت فلاي دبي نزلت)؟ فأجابني بنعم.. وليها ساعة!! احترت فالاجراءات حسب علمي والمرور من الجوازت لا تأخذ كل هذا الوقت وأعلنت الموظفة بمكبرات الصوت عن وصول رحلة ناس من جدة وعقبها اعلان عن وصول القطرية مما دعاني الى التحرك صوب نقطة العبور الى استلام الحقائب او النقطة النهائية للقادمين بدون عفش ولمحت صديقي بين تلك الصفوف خلف جهاز تفتيش الأغراض الشخصية خلف نقطة الجوازت، وقد زادت همه وغضب واستياء من كل الواقفين بينهم امرأة كبيرة في السن اتكأت على طاولة الموظف وراحت في سابع نومة!! لم اجد استفساراً عن طول الانتظار او اعرف المشكلة، إلا بعد ظهور ضابط امن الطيران بزية المعروف وهو نفسه مستفسراً عن الحاصل!! سأل فرد الامن «وين جنابو»؟؟ همس له سمعته (بتعشوا في المكتب داك واشار اليه بيده») !!!لم يتحرك ضابط الصالة، بل وقف منتظراً كما القادمون ولكني تحركت انا الى المكتب المعني في آخر الصالة وجدت مجموعة من الضباط بمختلف الرتب معظمهم ملازمين وهم في حالة من الانسجام والونسة والقرقرة والهظار والنقاش في مسائل لا تمت بصلة للعمل، وبينهم مالذ وطاب من المشاوي والسندوتشات!! لم يهتموا بدخولي وخروجي من المكتب الذي هم فيه وانتظرتهم ربع ساعة حتى خلصوا من العشاء والمسافرين القادمين في الانتظار وتعالت الاصوات وبينهم اكثر من جنسية اجنبية!! هنا توجه أحدهم برتبة ملازم الى تشغيل جهاز التفتيش الاجباري والمهم لأغراض هؤلاء المحمولة في الأيدي وهذا الجهاز الذي ظل متوقفاً عن التشغيل من الساعه 9 ونصف تقريباً وحتى وصول الرحلة المعنية في الحادية عشر إلا ربعاً مساءً، وصلت معه الى حيث التجمهر والتزمر وسأل الركاب بطريقة غير مقبولة ما لكم في شنو؟؟ تصدى له أحدهم غاضباً يا جنابو كيف في شنو ونحن واقفين لينا ساعة؟؟ رد عليه (طيب نعمل ليكم شنو ما نتعشى يعني)؟؟؟ما تقيفوا لاحقين شنو انتو؟؟ نعم.. والله كان هذارده لم يعجب رده كل الحضور حتى افراد الامن في الطاولة التي تراجع الجوازت والاختام لم يعجبهم رد الضابط، بل شكا لضابط الصالة وأنا موجود من ذلك التصرف وهذا التأخير خاصة وأن التكدس يكون بنفس الطريقة امامهم طالما ان الدخول صادف نزول ثلاث طائرات اخرى في ذلك الزمن، انتهى الامر وأدار الضابط جهاز التفتيش وفك أسر هؤلاء المنتظرين وكأن شيئاً لم يكن !!! هذا حال موظفي دولتنا الرشيدة التي تدير كل شيء بالمجاملات و«المعلشة» فما حدث في مساء تلك الليلة فيه منتهى الاستخفاف والسبهللية، وفيه بيان للناس عن اسوأ خدمات يمكن ان تضيع هيبة دولة بحجم السودان، بسبب ضابط صغير مازال اسمه بقلم الرصاص، فما يمكن أن يفعله فينا كبار الضباط؟؟؟اين المراقبة واين الكاميرات واين المسؤول المباشر عن هؤلاء؟؟ هل للضابط العظيم بالوردية علم بما حدث؟؟ هل البلاغ الذي تداوله زملاء وشركاء العمل من ضابط امن طيران الى ضابط الجوازت او الامن قد قيد في تقارير وحالات تلك الليلة؟؟؟ هل الضابط المناوب الاعلى الذي اظن انه كان بينهم في وجبه العشاء وجه اي فرد منهم مجرد وصول الرحلة بأن يقطع عشاه ويديه توجيهات ليهم جميعاً (ثابت ميز)، أم أن الأمر غير ذلك؟؟؟؟ اما كان أجدى أن تكون هناك برمجة وتقسيم لتناول العشاء بين هؤلاء السادة الضباط حتى لا يؤثر ذلك في حركة المسافرين ؟؟؟ والاهم من ده كلو ان هناك اجانب تعالت اصواتهم وتزمروا من الانتظار وهمهموا بصوت عالٍ واظنهم من رعايا تلك الدولة التي بيننا وبينهم حرارة زايدة هذه الايام، حضرة الضابط الموقر.. حاول أن يمارس عليهم شوية حدة وأعاد اغراضهم اكثر من مرة الى جهاز التفتيش بدون ان يجد اية ممنوعات معهم وقد انتبهوا لذلك التصرف وعند خروجهم من الصالة علمت ان احدهم دكتور كبير قادم من القاهرة ليناقش رسالة الدكتوراه الثانية من جامع السودان والآخر كاتب مرموق بصحيفة «الخليج» الامارتية ومهتم بالشأن السوداني واقسم لي انه في حالة ذهول مما رأى في بلد كان يتوقع أن تكون ابوابه فاتحة للضيوف والمهاجرين بالترحاب وتسهيل الامور، واستعجب من كل التأخير، وقال لي بلهجة سودانية فيها بمزاح واستخفاف ( ضابطاكم دول ايش بتعشوا)؟؟ لم تكن لدي إجابه للسائل، ولكن سؤالي للسطات الاعلى هل يستغرق عشاء الضابط كل هذا الوقت؟؟ وهل عشاء ضباط مطار الخرطوم وناس الجمارك زي عشاء ضباط الاقسام والوحدات الاخرى ام هناك تحسينات تؤدي الى هذا الخلل الواضح الذي ندفع ثمنه بالانتظار ونظرات الاحتقار من الآخرين!!.
بدر الدين عبد المعروف الماحي
الانتباهة
error: Content is protected !!