اعتقد اننا من الشعوب القلائل التي تسعد بالسفر وتهش له وتفرح …ما ان تقول لاحد انك مسافر ..حتى تسمع عبارة (ما شا الله تبارك الله …الاداك بالكوريك يدينا بالملعقة).. يا (دي عملتها كيف يا غتيت)..اما اذا كانت الوجهة احدى دول أوربا والدول المتقدمة ..فابشر بكثرة الحساد والبقرانين.
تقول احلام مستغانمي على لسان احد أبطال قصصها (يحسدونك على الغربة ..كان التشرد مكسب) هي لم تسمع بنا فنحن فعلا نعده مكسبا لان اللي جابرك على المر هو الامر منه . تجدنا على ابواب السفارات الاجنبية ..وفي ظلال تلك (الخيام ) التي تنصبها الوكالات ..عندما يفوز احدنا بتأشيرة ..تنهال عليه التبريكات ويجتمع الناس لوداعه وفي يد كل منهم (صورة من الشهادات) وما تنسانا من صالح الفيز والزيارات.
اذكر اننا (زوجي وانا ) كنا قد توقفنا امام مطعم سوداني بمدينة الدمام السعودية لشراء فول للعشاء …كنت أراقب المدخل والاحظ تزاحم السودانيين على شراء الفول والكبدة والشية والكمونية ..قالت لي نفسي (اليس غريبا ان نفعل المستحيل للخروج من السودان وما أن نغادره ..نبحث عن كل ما يذكرنا به؟؟؟) .
المغترب السوداني يعيش علاقة غريبة مع الوطن تحت شعار (لا بدورك ولا بحمل بلاك)..يقتله الحنين ويتنازعه الشجن ولكنه يؤثر الغناء من على البعد .. …لا أعتقد ان هناك من وجد وضعا أفضل في بلاده وفضل الخروج .. ولكن رغم ذلك تجد انه يقتله عذاب الضمير ويظل هناك سؤال يدور في ذهنه ..ماذا لو بقي داخل حظيرة الوطن ؟ هل كان سيتغير شئ؟ .
عزيزي المغترب ..اسمع كلامي فاني لك من الناصحين…لمبة عبقرينو تقول لك دعك من (متلازمة الحنين) الى وطن لفظك كما تلفظ النواة من التمر …وطن لايذكرك الا عند الحوجة فيبيع لك قطعة أرض بمئات الالاف ..وتذهب لتجدها قاعا صفصفا. المغترب السوداني الذي ظل طوال عمره بقرة حلوبا للحكومة ..
جبايات من كل الانواع ولكل المناسبات ..ضرائب لبلد لا يتلقى ابسط خدماتها …ومعاملة لا تمت الى الانسانية بصلة ..ورغم كل هذا صابرين وشاكرين وحامدين وفي كل عام مقبلين ميممين شطر السودان لينزفوا ريالات ودراهم ويعودوا خالي الوفاض .
عزيزي المغترب نقدم لك الحل السحري و المضاد الحيوي لداء الحنين (انساني وانا انساك)..حبة كل صباح تبلع وانت تشاهد القناة السودانية . . من هذا المنبر انا ادعو كل المغتربين الى نزع ثياب الحداد والتحرك من محطة الانتظار المر ليوم العودة الى وطن الجدود..(اكتف بتعليق صورة للوطن الكبير قبل الانفصال) .
اخرجوا (الملايات والستائر)..اشربوا الشاي في الطقوم المخزنة تحت الأسرة في غرف النوم . افتحوا النوافذ …خذوا خرطة العالم وابحثوا عن اجمل البقاع ومن ثم التخطيط لزيارتها… كونوا مهاجرين الى الله في كل بقاع الأرض ..احسموا امركم وعيشوا حياتكم ودعوا الترقب وانتظار المستحيل. اما من يريد ان يبكي ويتباكي نقدم له أيضا الحل …فليكتب ما يشاء من شعر ونثر ..وليحذو حذو شعراء المهجر ..الذين غنوا وأشعروا اجمل ما قيل في الوطن وهم بعيدين عنه الالاف الاميال .
عندما كتب ايليا ابو ماضي (وطن النجوم انا هنا) ..كان في عمق امريكا وتحت تمثال الحرية …عندما كتب الطيب صالح اجمل رواياته كان يستمتع بمناظر الريف الانجليزي. طارق بن زياد عندما احرق المراكب خلف الجنود لم يكن يقصد الا ان يقطع امامهم درب الحنين الى الوطن …فكانت الاندلس وكانت أعظم الحضارات الاسلامية .
عزيزي المغترب أحرق المركب ولا تخش شيئا …هاجر ولا تغترب… لا ترهن نفسك لانصاف الحلول ..فالاغتراب نصف ارتحال ونصف استقرار ..الاغتراب يرهنك في محطة اللاشئ ….تصير كما تقول الاغنية (عايش ومش عايش ).. يا أيها المغترب …ما تبقى رقراق ..أبقى.. ياضل… يا شمس … وغنوا مع مسجل ادم (مهما ظليت فيك صابر يا سنين عمري الشقية ..مهما طال فيك حظي عاثر بجهض احلامي الهنية …ما بقول انا راح اواني ..عارفه ببسم لي زماني ..وسعدي برجع لي تاني ..بالاماني السندسية )..ووصباحكم خير
د. ناهد قرناص-النيلين
error: Content is protected !!