مستوى التغيير الذي سيحدثه مجلس الشورى والمؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني الشهر المقبل (أكتوبر) هو الذي سيحدد مستوى التغيير الذي سيشهده السودان.. كل السودان.
الرئيس “البشير” غير راغب في الترشح لدورة قادمة عمرها (خمس سنوات)، والرئيس (كره) الرئاسة كما قال د.”نافع”، ولكن كيف يتم اختيار (الخليفة) ومن سيكون؟
الرئيس تحدث من قبل عن سن (الخمسين) كأحد محددات ملامح الخلافة. ولكن لا يبدو متوفراً داخل الحزب ولا خارجه، من هو مؤهل للرئاسة وبهذا العمر. صحيح أنَّ “أوباما” أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية وعمره (47) عاماً، ولكن الصحيح أيضاً أنَّ معظم رؤساء وزعماء الأحزاب السياسية في السودان قد تجاوزوا سن (السبعين) ومنهم من بلغ الثمانين.
إذن دعونا نتحدث عن الوسطية ما بين (الخمسين) و(السبعين)، فنختار أبناء (الستين).
خلافة “البشير” عندي تتراوح ما بين البروفسور” إبراهيم غندور” والفريق أول “بكري حسن صالح”. والاثنان في عمر الستين أو أكثر قليلا.
لماذا ” غندور”؟
أولاً: لأنه المسؤول الأول بالحزب؛ وبالتالي لابد أن يكون من بين (السبعة) الذين سيرفعهم المجلس القيادي لمجلس الشورى.
ثانياً: لأنه محبوب ومقبول في الحزب، وقد كان من بين الذين حصلوا على أعلى الأصوات في انتخابات الشورى الفائتة.
ثالثاً: لأنه (وسطي) بين أي تيارات يمكنها أن تتصارع في المؤتمرات القادمة، فالذين يريدون التجديد للبشير مخافة الانقسام، أو تعبيراً عن رفضهم لمرشح آخر، لا مشكلة لهم مع “غندور”. والذين عملوا مع “نافع “يعملون الآن مع “غندور” بما فيهم سكرتيره وحرسه الخاص!! والذين يحبون “شيخ علي” ويدخرونه للرئاسة، يمكنهم التصويت بقوة لـ”غندور” وليس لغيره، في ظل زهد شيخ “علي” في الخلافة وتفضيله التجديد للرئيس.
رابعاً: لأنَّ الرئيس يطمئن إليه، وإلا لما وافق على أن يخلف “نافع” في هذا الموقع بالغ الأهمية. ومن بعد الرئيس، فإنَّ “غندور” يبجل “علي عثمان”، ويقدر “نافع” والأخير هو من وقف وراء ترشيحه لقيادة الحزب خلفا له.
خامساً: لأنه بروفسور ومدير سابق لجامعة الخرطوم، مبين وفصيح بالعربية والإنجليزية، وهذا يشرف المؤتمر الوطني وجموع الإسلاميين في السودان والعالم في أية انتخابات، وقد نال ثقة الأفارقة في انتخابات اتحادات العمال الأفريقية، وقد رأيتهم في “أسمرا” خلال أحد المؤتمرات قبل (ست) سنوات، وكانوا يلتفون حوله التفاف الحواريين بشيخهم!!
سادساً: لأنه رجل مثقف موسوعي يلتهم الكتب والصحف وجديد الإصدارات ولا يحول انشغاله بزوجاته (الأربع) وأبنائه وبناته – ما شاء الله – دون مطالعته لجميع لصحف الخرطوم حتى الساعات الأولى من الصباح.
سابعاً – ودعوني استعير حب الترقيم من الإمام “الصادق المهدي”: لأنه يتمتع بعلاقات دولية وإقليمية محترمة ومقبول لدى (الخواجات) والعرب والأفارقة، وقد لا يعلم البعض أنَّ دعوة أمريكا لدكتور”نافع” التي صاحبتها بعض الإشكالات فتم إلغاؤها، قد وجهتها الإدارة الأمريكية أولاً لبروفسور غندور بوصفه رئيس قطاع العلاقات الخارجية، لكنه طلب توجيهها للمسؤول الأول بالحزب.
ثامناً: يرتبط “غندور” بعلاقات ود واحترام مع قادة أحزاب المعارضة من السيد “الصادق” إلى الشيخ “الترابي” وإلى مولانا “الميرغني” فضلاً عن قبائل (اليسار) التي لا تكن له عداء.
تاسعاً: هو ابن بلد عاش الفقر وجربته المعاناة من”الدويم” إلى “أم درمان” وجامعة الخرطوم، وجامعات بريطانيا. ذكي ولماح وحاضر البديهة و(مفتح) بلغة الشارع، محتك بطبقات المجتمع كافة، ولا تخفى عليه خافية مما يدور في حواري وأزقة المدينة وأطراف الأرياف، فهو ليس (مثقف صالونات) منعزلاً أو منكفئاً على نفسه، كبعض صفوتنا ومثقفينا، ولا هو سياسي شعبوي يتحرك بمخزون ثقافي محدود كغالب الساسة في بلادنا.
وبعد.. سيقول (سابلة) المدينة و(النمامين) المتسطحين أنني إنما أرشح الرجل، لأنني كنت برفقته في رحلة ألمانيا، وهؤلاء يعلمون قبل غيرهم كم رحلة إلى أوربا وبلاد العرب والأفارقة اعتذرتُ عنها ومن بينها رحلة “لندن” التي ضمت عدداً من رؤساء التحرير العام الفائت، ورحلة أمريكا – ومن يرفض السفر لأمريكا – وقد كانت بدعوة لصحفي سوداني (واحد) من وزارة الخارجية الأمريكية في العام 2010. بصفة عامة أنا لا أحب السفر إلا مضطراً.
غير أنني تأملتُ في “غندور” ملياً خلال هذه الرحلة، ورأيته كيف يتعامل مع السودانين المعارضين، ومع طاقم السفارة بأدب واحترام، ومع الدبلوماسيين (الألمان) بمزيج من اللين والشدة والدهاء، فتيقنتُُ أنَّ هذا الرجل (مشروع رئيس)!!
ومما لا شك فيه أنَّ علاقتي بأسرة الرئيس “البشير” قوية بينما لا أعرف أحداً من أسرة “غندور”. ولا يعلم أحد أنَّ (المجهر) عندما تم إيقافها في المرة الأخيرة وكان مرتباً ألا تعاود الصدور قريباً، سعى في إعادتها للصدور صديقي الباشمهندس “علي حسن أحمد البشير”، وقد كان. وليس بيننا مصالح ولا (بزنس) ولا مصاهرات ولا شيء غير المحبة في الله.
ورغم أنَّ كثيرين تعرضوا في الوسائط الإلكترونية وفي مجالس النميمة لأسرة الرئيس، إلا أنني أقول إنَّ الرئيس لولا اتصاله المستمر بإخوانه، لغابت عنه الكثير من الحقائق المهمة.
يمكننا أن نوقظ “علي البشير” من النوم ونقتحم عليه داره غير آبهين بالحراسة، ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك مع أي (معتمد) أو وزير ولائي. إخوان الرئيس شعبيون وبسطاء و(أولاد بلد) أصيلون تماماً كأخيهم “عمر”.
(المجهر) لم يعدها للصدور سادتي القراء، بروفسور “غندور” ولا “نافع” ولا “علي عثمان” .
ولكن الرئيس وأسرته الكريمة يعرفون رؤيتي من قبل عامين، حول ترجله في أوج عظمته وجماهيريته شأنه شأن المشير “سوار الذهب” والفريق “إبراهيم عبود” الذي هتفت له الجماهير بعد تقاعده بسنوات في (سوق الخضار) بالخرطوم: (يا عبود.. ضيعناك وضعنا وراك).!!
(المجهر) ومن عددها (الأول) تبنت قضية خلافة الرئيس “البشير” بعين “زرقاء اليمامة” التي ترى ما لا يراه العاطفيون والمصلحيون والعوام.
الفريق أول “بكري حسن صالح” مرشح أيضاً بقوة من زاوية توازن الجيش والسياسة، وربما لا يعلم البعض أنَّ علاقتي الشخصية بالفريق “بكري” أقوى من صلتي بـ”غندور”، غير أنني أرى ورغم أنَّ “بكري” صاحب (الجلد والرأس) في استلام القيادة العامة ليلة (30) يونيو 1989 وصاحب القدح المعلى في إفشال انقلاب (البعثيين) الذي كان ناجحاً بكل المقاييس، إلا أنَّ المرحلة المقبلة تتطلب وجود رئيس (مدني)، وإجراء انتخابات شفافة، ولا شك أنَّ واحدة من ضمانات الاستقرار بالبلاد أن يبقى منصب (النائب الأول) والإشراف على الجيش من مهام (العسكريين) دون تدخل من (السياسيين) في الأمور الفنية والترقيات والإحالات للتقاعد. وسيادتو” بكري “هو أفضل من يقود القطاع الأمني والعسكري في بلادنا.
مؤتمرات هادئة موفقة.
احتراماتي سيدي الرئيس.. ستبقى في قلوبنا محمياً بالشعب قبل الجيش
الهندي عز الدين- المجهر السياسي
error: Content is protected !!