تبدو أوروبا راضخة للضغط الأمريكي الذي يرغمها دون قناعتها، على المشاركة في العقوبات الظالمة ضد السودان، ورغم الضيق من وقاحة (رعاة البقر) التي بلغت حد توقيع عقوبة قاسية على بنك (فرنسي) يملك فرعاً في “نيويورك” بنحو تسعة مليارات دولار، و(بلعها) الفرنسيون على احتجاجهم الخجول، فإنه ما يزال هناك أمل أن تتحرر أوروبا من دور (التابع الأعمى) للولايات المتحدة الأمريكية.
وهنا في ألمانيا، يبذل مساعد الرئيس البروفيسور “إبراهيم غندور” جهوداً مكثفة منذ ثلاثة أيام لحمل السادة (الألمان) على التعرّف بعمق وشفافية على حقيقة الأوضاع السياسية والاقتصادية في السودان، فقد التقى مستشاري “أنجيلا ميركل” ووزير الخارجية، وزير الدولة للتعاون، مديرة (دسك) شرق أفريقيا في الخارجية الألمانية، ثم مديري مؤسسات بحثية ومنظمات مجتمع مدني وصحفيين.
ألمانيا كما قال وزير خارجيتها الدكتور “شتاينمير” في مقابلته مع البروف “غندور” مؤمنة بأهمية الدور (السوداني) المتقدم في إرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة، وتسعى للتعاون مع بلادنا لدعم هذا الدور، فالأوروبيون مفزوعون من تمدد تنظيمات وحركات إسلامية متطرفة مثل (داعش) في إقليم الشرق الأوسط، ومن انهيار منظومة الأمن في دول مجاورة مثل “ليبيا” و”جنوب السودان”، ولا شك أنهم يعرفون أن ذلك نتاج طبيعي لسياسة الظلم الأمريكية واسعة الطيف من الصومال إلى غزة والعراق وإلى أفغانستان.
والحل الأمثل- لو يعقلون– هو تعاون الغرب مع (الإسلام المعتدل) في السودان وغيره، وليس التمادي في سياسات العداء والحصار الرعناء التي أنجبت (القاعدة) و(داعش)، وستنجب المزيد من الفروع والأذرع في الكثير من الدول العربية والأفريقية، إن لم تنتبه أوروبا وتمارس ضغوطاً عكسية على أمريكا لتعديل المسار ووضعها على الطريق الصحيح.
ومن خلال حضوري لبعض اجتماعات مساعد الرئيس مع المسؤولين الألمان، أعتقد أن البروفيسور “غندور” أدار هذه المقابلات بقدرات (دبلوماسية) عالية، ساعدته في ذلك طبيعته (الشخصية) المفتوحة على الآخر، المقبولة للناس عرباً وعجماً وأفارقة، تسنده خبرته الطويلة في العمل النقابي ومشاركاته الكثيفة في اتحادات العمال الأفريقية والدولية، فضلاً عن إجادته الراقية للغة الإنجليزية منذ أن كان طالباً بالدراسات العليا لطب الأسنان في بريطانيا مطلع ثمانينيات القرن المنصرم مبتعثاً من جامعة الخرطوم.
استراح (الألمان) في واحة “غندور” بجديته وخفة ظله، واطمأنوا له ولرؤية حكومة السودان، ولكن هل يتركهم (الأمريكان) يتحسسون الطريق؟ أم أن ملوك الصناعة من المطابع إلى “المرسيدس” والـ”بي أم دبليو”.. أسياد الاقتصاد، أساتذة الطب وأبطال كأس العالم سينتصرون لفكرتهم التي أهلتهم للريادة في أوروبا دون حاجة إلى مساعدة من “واشنطن” التي تتجسس على هاتف المستشارة “أنجيلا ميركل”؟!!
صحيفة المجهر السياسي
error: Content is protected !!