“السيدة عائشة” … “الشرعة والمنهاج” – “ابن قرناس”

هل هي امرأة ملعونة كما تقول كتب الشيعة، أو فاجرة كما توحي كتب السنة، أم أنها أم المؤمنين؟
لو تصفحنا كتب الموروث عند مذاهب المسلمين لوجدنا أنه كلما كثرت المثالب المنسوجة حول شخصية من شخصيات عصر الرسول عند أتباع مذهب كلما كثرت الفضائل المنسوجة عنه عند أتباع مذهب مخالف، وليس هناك نظرة محايدة عند أي من الطرفين، وهذا لم يأت صدفة.
فأبو بكر وعمر ابن الخطاب يمثلان التقوى والصلاح عند أتباع المذهب السني، بينما صورتهما عند الشيعة على النقيض.
معاوية صحابي جليل وكاتب للوحي عند السنة بينما هو أقرب للشيطان عند الشيعة… وهكذا.
ومن اليسير أن نشتم تأثير المواقف السياسية على هذه المشاعر، بجانب عوامل أخرى.
أما فيما يخص عائشة زوج الرسول، فالسنة والشيعة تبادلوا اتهامها.
وكل من يقرأ كتب التراث السني فسيجد أنهم يلقبونها بأم المؤمنين، وصوراً زاهية أخرى عنها، لكن وفي نفس الوقت فكل من يقرأ نفس الكتب بحثاً عن إدانتها فسيجد الكثير من الصور القبيحة، وقد أوردنا فيما سبق الكثير من الأحاديث البخارية التي تصورها بصور قبيحة جدا.
وسنورد بعض أهم ما قيل عنها في تلك الكتب، ثم ما يمكن فهمه من الواقع والقرآن عنها، لنخرج بما كانت عليه فعلاً.
الموقف الشيعي :
لا حاجة للقول إن كتب الشيعة التراثية تغص بصور سيئة عن زوج الرسول، إلا أنه من المهم ملاحظة أن كل ما قيل عنها في هذه الكتب كان نتيجة لموقفها المعارض من تولي علي ابن أبي طالب للحكم. ومن المحتمل أنها لو لم تقف ضد علي فقد لا تتهجم عليها كتب الشيعة. ولن يتجاوز التعرض لها في تلك الكتب أكثر من كونها بنت أبي بكر (الذي اغتصب حق علي في الحكم كما صور موروث الشيعة)، ولما وجدنا عنها منقصة واحدة في كتب التراث الشيعي.
هذه هي حقيقة الموقف الشيعي من زوج الرسول عائشة. وكل ما قيل عنها في تلك الكتب تشعب وكثر لكنه في الأصل لا يتجاوز موقفها من تولي علي، ونابع منه. وليس للشيعة أي مآخذ أخرى عليها.
وبما أن المعتقد الشيعي يقوم على أساس واحد فقط، وهو اعتبار علي ابن أبي طالب ولياً لله ووريثاً للنبوة فإن أي معارضة لتولي علي الحكم اعتبر كبيرة موجبة للنار في الآخرة واللعن في الدنيا، وهذه هي جريمة زوج الرسول عائشة (حسب معتقدهم). ونتج عن هذا أن استبيح سبها شخصياً ونسي العامة السبب الرئيسي لهذا الموقف. وإن كان هناك قصص أخرى موجودة في كتب التراث الشيعي للنيل من عائشة كقولهم إنها ووالدها قد أسقيا السم للرسول، وإن كانت هذه القصص لا تحظى بالقبول حتى من الشيعة أنفسهم لأنهم يعلمون أنها لم تحدث.
في المقابل فكثير من القراء يجهل أن كتب التراث الشيعي برغم لعنها لزوج الرسول فقد برأتها من تهمة قالتها عنها كتب السنة، وهي تلك القصة المختلقة التي ترسخت بعنوان “الإفك”. فكتب التراث الشيعية تبرئ عائشة من قصة الإفك وتقول إنها قصة مختلقة على عائشة، وأن آيات “الإفك” نزلت لتبرئة “مارية القبطية” التي اتهمتها عائشة بالزنا وأن ولدها “إبراهيم” ليس ولداً للرسول ولكنه ولد لعبد قبطي أيضاً كان هدية من المقوقس للرسول مع مارية. وقد غضب الرسول من كلام عائشة وأرسل علي ابن أبي طالب ليقتل العبد. ولكي تنسجم القصة قالوا إن العبد يعمل في بستان وأنه لما رأى علياً مقبلا وبيده السيف صعد على شجرة فنظر علي إلى الأعلى فوجد القبطي ليس له عضو ذكري. فعاد وأخبر الرسول فنزلت آيات سورة النور لتبرئة مارية. ولأن القصة مختلقة فمختلقها لم يفطن إلى أنه لو افترض أن عليا قتل القبطي وهو بريء، فكيف سيكون موقف الرسول الذي أمر علياً؟ وكيف أمر الرسول بقتل رجل بتهمة لم تثبت؟
المهم ليس نقاش قصة مختلقة ولكن للتأكيد على أن كتب التراث الشيعي تعتبر عائشة ملعونة لأنها وقفت ضد تولي علي ابن أبي طالب الحكم، لكنها تنزهها من الفجور.
الموقف الإباضي :
يتفق مع الموقف الشيعي أن معارضة تولي علي الحكم تعتبر كبيرة، لأنهم يعتقدون بوجوب وجود حاكم، ولا يجوز الخروج عليه. لكنهم يقولون إن زوج الرسول عائشة قد تابت. يعني هم قالوا هي أخطأت واقترفت كبيرة معارضة استيلاء علي على الحكم، لكن لا يلعنونها ولا يختلقون مثالب عليها كما يفعل الشيعة، ويتجنبون سبها.
الموقف المعتزلي :
نابع من أن كل المتحاربين في موقعة الجمل ارتكبوا كبيرة، دون أن يتعرضوا بالسب لأحد من الطرفين.
الموقف السني :
ظاهرياً بين العامة هو أن الموروث السني هو الذي ينصف عائشة وبقية المذاهب تنال منها، لكن هذا المفهوم الشائع غير صحيح على الإطلاق وبعيد عن حقيقة ما تحويه كتب تراثهم.
فكتب التراث السني تحتوي على كم متنوع من النقائص لزوج الرسول أكثر تنوعاً من أي كتب مذهب آخر تعرضت لعائشة. وإن كان عدد الصفحات التي تعرضت لزوج الرسول في كتب الشيعة أكثر بكثير من الصفحات في كتب السنة. فالتراث السني يتفوق على التراث الشيعي في عدد المواضيع التي تعرضت لعائشة، والمذهب الشيعي يتفوق بعدد الصفحات.
ولو لم يكن في كتب التراث السني من مثالب ضد عائشة سوى ما عرف بالإفك لكفى.
قصة الإفك :
وهي قصة مختلقة تُسوّغُ لقراءة متعسفة وتأويل لآيات في سورة النور إلى غير معناها قام به المفسرون والمحدثون ورسخته كتب التراث السني. والقصة بمجملها تثبت سوء الظن بعائشة، ولا يمكن لمن يقرأها وهو يظن أنها وقعت بالفعل إلا أن يميل داخل نفسه أن عائشة لم تكن بريئة. والقصة تقول إن زوج الرسول كانت بصحبة الرسول في غزوة له (الرسول لم يثبت أبداً أن أخذ واحدة من نسائه في الحروب ولم يكن هذا متوقعاً). وأثناء عودتهم للمدينة وبعد توقف الجيش للمبيت، وناموا لبعض الوقت، أعلن الرسول فجأة الرحيل قبل مطلع الفجر، على غير العادة. وفي تلك اللحظة ابتعدت عائشة زوج الرسول عن الجيش لقضاء الحاجة (مع أن الوقت كان ليلا والظلام يلف المكان وكان بإمكانها أن تقضي حاجتها على بعد بضع خطوات دون أن يلاحظها أحد) لكن مختلق القصة أراد أن يقول إن الجيش أكمل شد الرحال وتحرك وغادر وابتعد لمسافة طويلة جدا لدرجة أن عائشة لم تتمكن من اللحاق بهم ولا من رفع صوتها بطلب التوقف. (مع أن قضاء الحاجة لا يستغرق سوى لحظات وشد الرحال يستغرق وقتاً أطول، كما أن مسير الجيش مرتبط بحركة الجمال التي تسير بتؤدة ويمكن اللحاق بها خلال وقت قصير). وتناسى مختلق القصة أنه لو أن عائشة أرادت الابتعاد لقضاء الحاجة فأول من يعلم هو الرسول وسيكون من الطبيعي الانتظار حتى تعود وتعتلي هودجها ليتحرك الجيش.
ويقول مختلق القصة إن صفوان ابن المعطل صادف أنه هو أيضاً قد تأخر عن الجيش. ولم يذكر مختلق القصة لماذا تأخر صفوان عن الجيش في نفس القصة؟ ولعل مختلق القصة تغافل عن ذكر سبب لتأخر صفوان عمداً ليوحي بسوء النية لمن يرغب في التفكير بمنكر حدث بين ابن المعطل وعائشة. وقد حاولت كتب التراث أن تقول إن الرسول قد أوكل له مهمة ساقة الجيش. أي أن يسير خلف الجيش ليلتقط ما قد يسقط من الركب من متاع في محاولة بائسة لسد ثغرات القصة المختلقة. واختلقت كتب التراث قصة أخرى لترقيع فجوات القصة المختلقة بقولهم إن ابن المعطل كان قد تأخر عن الجيش في عرس له. أي أنه تأخر ليدخل بعروسه. ولهذا قالوا إن الحملة كانت ضد بني المصطلق التي انتهت بسبي نسائهم وتوزيعها على المسلمين. ولذا فالقول إن ابن المعطل تأخر عن الجيش ليفتض بكارة السبي التي كانت من نصيبه.
المشكلة أن نفس كتب التراث – كالعادة – تأتي بالقصة وتأتي بقصة تناقضها، لذا فقد قالت كتب التراث إن ابن المعطل في قصة الإفك المفبركة قال: “والله ما كشفت كنف أنثى قط” وفي رواية “والله ما أصبت امرأة قط حلالاً ولا حراماً”. فكيف يكون قد تأخر عن الجيش لأنه في عرس؟ وحتى لو لم يكن في عرس فلماذا تؤكد وتحلف أنك لم تقرب الحرام؟ هذا التأكيد يجلب الشك ولا يفيد النزاهة. (وبطبيعة الحال ابن المعطل بالفعل لم يكن في عرس وقد لا يكون في الجيش أصلاً).
وتستمر قصة الإفك لتقول إن ابن المعطل رأى سواد إنسان نائم فعرف أنها عائشة؟ (كيف يرى سواد ويعرف أنها عائشة؟) وأن عائشة خمرت وجهها بجلبابها (لاحظ أن العبارة مأخوذة من تفسير آية سورة الأحزاب التي تقول: “وليضربن بخمرهن على جيوبهن” وأنها تعني تغطية الوجه. وهذا الفهم لم يكن موجودا زمن الرسول ولكنه عرف في عصور لاحقة.
ولن نواصل مع هذه القصة التي ينفي وجودها القرآن، لأن آيات سورة النور لم تنزل لتبرئة شخص كائناً من كان ولكنها تضع ضوابط وعقوبات للقضاء على ظاهرة فساد أخلاقي نشره منافقون رجعوا من حفر الخندق واستغلوا غياب الرجال فلاحقوا النساء ودخلوا البيوت كليا للفجور.
ولا وجود للقصة المختلقة بحق عائشة ولا للقصة المختلقة بحق الشخصية الخرافية المختلقة (مارية القبطية).
من هو ابن المعطل؟
تقول كتب الرجال إنه أسلم قبل معركة المريسيع. وهي غزوة تقول كتب التراث إن الرسول قام بها ضد بني المصطلق في السنة السادسة وهي غزوة مختلقة ولم تحدث. لأن الرسول لم يقم بأي غزوة إلا بعد نزول سورة براءة التي نزلت قبل وفاة الرسول بعام أو أقل. وكل غزوات الرسول كانت موجهة للقبائل التي عاونت قريشاً وأهل الطائف ضد المسلمين. ولم يكن فيها سبي ولا رق. وقول كتب التراث إن صفوان ابن المعطل أسلم قبل المعركة المزعومة لكي يقحم اسمه في القصة المكذوبة على عائشة.
ويكون تاريخ إعلانه الإسلام غير معروف. وبما أنه ليس من أهل المدينة ولا مكة فهو سلمي فالمؤكد أن إعلانه الإسلام كان في آخر عام من حياة الرسول وهو عام الوفود حيث تقاطرت وفود القبائل على المدينة لإعلان الدخول تحت حكم دولة المسلمين.
وما ورد في كتب التراث عن ابن المعطل ليس باهراً.
فقد روي أن امرأته اشتكته لأنه ضربها على قراءتها سورتين في صلاتها. وقالت تلك الكتب إنه كشط جلدة رأس حسان ابن ثابت لأنه هجاه بأبيات شعرية. وقيل إنه ممن اتهم في الدخول على حجرات الرسول وأن الرسول قال: أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي، ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت عليهم إلا خيرا، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيرا، ولا يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي” يعني صفوان بن المعطل.
وإن كان لهذا الخبر شيء من الصحة فقد يكون ابن المعطل ممن نزل بحقهم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا(53) الأحزاب.
على كل حال صفوان ابن المعطل ليس له سمعة عطرة في كتب التراجم، ولا يعرف متى أعلن إسلامه كما أن تاريخ وفاته ليس متفقاً عليه. وهذا يعني أن اختياره لدور البطولة في الفيلم المفبرك ضد عائشة جاء لأنه يلائمه لأنه مجهول.
وهذه القصة المفبركة عن عائشة أضرت كثيراً بسمعتها لأنها صورتها بالفجور. ولو لم يقل عن عائشة إلا أنها عارضت تولي علي الحكم لما أضر بسمعتها، كما أضرت بها ما أوردته كتب التراث السني، ومن ذلك ما أورده البخاري في كتابه:
أم المؤمنين عائشة تتعرى أمام رجلين
يقول البخاري: حدَّثَنا عبدُاللَّهِ بنُ محمدٍ قال: حدَّثَني عبدُ الصمدِ قال: حدَّثَني شُعبةُ قال: حدَّثني أبو بكرِ بنِ حَفْصٍ قال: سَمعتُ أَبا سَلَمَةَ يقولُ: دخلتُ أَنا وأخو عائشةَ عَلَى عائشةَ فسألها أخوها عن غُسلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدَعَتْ بإناءٍ نحوٍ من صاعٍ فاغتَسَلَتْ وأفاضَتْ على رأْسِها، وبَينَنا وبينَها حجاب.
مناقشة النص
إذا كان الحجاب ساتراً لا يرى من خلاله، فلا فائدة من غسلها، لأنهما لن يريا كيفية الغسل.
وإن كان الحجاب شفافاً يرى من خلاله، فقد سمحت أم المؤمنين لأخيها ولرجل معه بالنظر إلى ما حرم الله من جسدها.
فهل يؤخذ الدين بهذه الطريقة المثيرة للغرائز؟ أم أن من اختلق الحديث كان يهدف للنيل منها.
ولو أن الرجلين قد سألا أم المؤمنين بالفعل، فيكفي أن تشرح لهما طريقة الغسل بعباراتها دون الحاجة للتعري المخالف للحشمة والدين.
والحديث أورده البخاري لأنه يتناسب مع الباب الذي ورد فيه الحديث واسمه ” الغسل بصاع ونحوه”، مع أن الغسل من الجنابة لا يحتاج لسؤال أم المؤمنين ولا حتى الرسول عنه، لأن الله قد طلب منا الغسل دون تحديد لكمية الماء أو كيفية غسل الأعضاء، لأن المفهوم العام هو الاستحمام الكامل، بحيث يغسل الجسم كله من أعلى الرأس إلى أسفل القدمين. وإن لم يتوفر الماء الكافي للغسل فقد شرع الله التيمم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً (النساء: 43).
والصورة المخزية التي يقدمها الحديث ويمكن لأي شخص في العالم رسمها هي كما يلي:
رجلان يدلفان بيت عائشة، تستقبلهما باشة وتقول من أنتما فيقول أحدهما أنا أبن أختك من الرضاعة أبو سلمة، فيقول الآخر: يمكنك اعتباري أخاك من الرضاعة أيضاً.
فتقول ضاحكة: أهلا بأخي وابن خالتي.
ماذا تشربان؟
نبيذ لو سمحتِ!
تناولهما الكأسين وتجلس أمامهما، قائلة: والآن كيف أخدمكما؟
يجيب أبو سلمة: في الواقع لقد اختلفنا في كيفية الغسل فجئنا لترينا بطريقة عملية كيف يتم الغسل.
تتبسم وتقول: حالاً
تغيب للحظة وتعود وهي تحمل إناء فيه ماء ثم تأتي للمنطقة التي تسقط عليها أشعة الشمس وعلقت قماشاً خفيفاً ثم خلعت ملابسها وهم يشاهدون ظلها على القماش. ودلقت الماء على رأسها وفركت بقية جسدها وهي تقول: هكذا كان يفعل رسول الله.
فهل يمكن لمسلم أن يصور أم المؤمنين بهذه الصورة التي لا يمكن أن تصدر من امرأة شريفة؟
وكتب الحديث والتفسير السنية مليئة بصور مخزية عن زوج الرسول، أسوأ بكثير مما تحويه كتب التراث الشيعي.
عائشة في القرآن :
تقول كتب التراث إن عائشة تزوجها رسول الله في العام الهجري الثاني، ولابد أنه تزوجها قبل معركة أحد، لأن سورة آل عمران التي تتحدث عن معركة أحد تقول: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(121).
وحينها لم يكن الرسول متزوجاً إلا بعائشة، فتكون آية سورة آل عمران هي أول آية في القرآن تشير لها.
وبعد سنوات تزوج خلالها الرسول بغير عائشة جاءت سورة التحريم التي تروي مشكلة عائلية بين الرسول وزوجاته وعائشة إحداهن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ(3) إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ(4) عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا(5).
بعد ذلك نزلت سورة الأحزاب التي نزلت بعدما تسببت فئة من المنافقين والذين في قلوبهم مرض في ظاهرة عهر في المدينة، فنزلت سورتي الأحزاب والنور لوضع ضوابط للقضاء على تلك الظاهرة وتطهير المجتمع المسلم منها، وشملت توجيه نساء النبي بالتقيد بأعلى درجات الحذر والحيطة في تصرفاتهن لأن أي ريبة تحوم حولهن ستضر كثيراً بالرسول ودعوته.
وأول ما بدأت الآيات به هو تخيير نساء الرسول بين أن يتمتعن بمتع الدنيا ويطلقهن الرسول، أو يبقين معه على شظف العيش ويكون اهتمامهن بالدين وقراءة القرآن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29).
وكل من يختار البقاء مع الرسول فعليها التقيد بضوابط صارمة لا تقبل بها إلا امرأة قوية الإيمان: يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا(34).
وبما أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يطلق أياً من نسائه اللاتي معه، فهذا يعني أنهن التزمن بأوامر الله لهن، واخترن الحياة مع الرسول والآخرة على متع الدنيا. فجاء القرآن ليكافئهن على هذا الاختيار، وذلك بتحريم تطليق الرسول لأي واحدة منهن أو الزواج بغيرهن عليهن: لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا(52) الأحزاب.
وهذا يعني أن نساء النبي اللاتي كن معه عند نزول سورة الأحزاب قد رضي الله عنهن ورضين عنه. ولو كان فيهن ما يثير الريبة فسينزل القرآن بفضحهن، ولو خفي أمرهن على الرسول. لكن القرآن نزل يحرم على الرسول تطليق واحدة من هن، كشهادة بالنزاهة والعفاف والطهر لهن ورضى الله عنهن.
ولم يتوقف القرآن هنا بل أضاف فضيلة لنساء الرسول وعائشة إحداهن في سورة الأحزاب نفسها: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا(6).
فالله جل وعلا علق على عائشة وبقية نساء الرسول نياشين إلهية تتمثل في اعتبارهن أمهات المؤمنين. وهذا اللقب لن يعطيه الله لامرأة سيئة في السلوك أو الإيمان.
الواقع :
لو نظرنا للواقع بعيداً عن قصص كتب التراث المختلق فسنجد ما يلي:
الرسول عندما مرض المرض الذي توفي فيه، اختار أن يكون في حجرة عائشة.
وهذه شهادة وفاء ونزاهة وطهر ومحبة وتقوى لعائشة.
الرسول صلوات الله وسلامه عليه دفن في حجرة عائشة بناء على وصيته، وهي الحجرة التي ضمت معه فيما بعد أبا بكر وعمر دون بقية الناس الذين عاشوا زمن رسول الله.
وهي شهادة أخرى تؤكد الشهادة السابقة لعائشة.
كما أن دفن أبي بكر وعمر مع الرسول في نفس الحجرة شهادة ممن بقي من أتقياء الصحابة على فضلهما على رجال عصرهما.
والخلاصة: أن عائشة بنت أبي بكر الصديق تحمل شهادات من رب العالمين ومن رسوله الأمين. ولا أهمية لما قاله عنها أتباع الأهواء سواء كان لنقمتهم عليها من وقوفها ضد استيلاء علي ابن أبي طالب على الحكم، أو كان لمحاولتها فضح مخططات قريش للاستيلاء على حكم دولة المسلمين بعدما سكت الرجال وتواروا عن الأنظار مفضلين سلامتهم الشخصية على الصدع بالحق بدءً من حصار عثمان وقتله ومروراً بحروب علي على السلطة وانتهاء باستيلاء قريش إلى الحكم ممثلة بمعاوية.
وبما أن عائشة زوج للرسول فقد تجنبت قريش قتلها لئلا تثير عليها الرأي العام وتفسد خططها للاستيلاء على الحكم. فتحولوا لقتلها معنوياً. فلوثت سمعتها الطاهرة في كتب السنة، ونسب لها الكفر في كتب الشيعة.
والسلام عليك يا أم المؤمنين.
الشرعة والمنهاج
ابن قرناس

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!