التوقيع أو (الإمضاء) لم يعد مجرد جرة قلم لحروف تخط أو ترسم على الورق كتقليد تختم به المكاتبات والرسائل، بل إنه أصبح من العلامات أو الرموز التي تثبت علاقة الشخص والتزامه القاطع بأية ورقة أو مستند يوقع عليه بحروف اسمه الأول شيئاً فشيئاً إلى أن صار التوقيع بمثابة (بصمة القلم) التي تحدد هوية صاحبها، بل وتكشف عن طباعه وتصرفاته وتركيبته النفسية، وعلى الرغم من أن بعض الدول المتقدمة استغنت عن التوقيع واستعاضت عنه بالبصمة الإلكترونية سواء أكانت بالعين أو بالبصمة، لكن يظل التوقيع بخط اليد له أهميته وهيمنته على اعتماد المكاتبات.
توقيعات المشاهير
إذا كان الإمضاء والتوقيع لا يمثل أهمية كبيرة لدى الكثير من الناس، إلا أن الجميع مطالبون بأن يكون لهم توقيع يؤكد التزامهم ومسؤوليتهم عن أية مكاتبات رسمية، وقد لا ينتبه إلى أهمية التوقيع سوي المسؤولين بدواوين الدولة ورجال المال والأعمال. والتوقيع يبلغ الحد الأقصى من الأهمية في المعاملات البنكية، لذلك نجد أن البنك يطلب ثلاث نماذج لتوقيع أي عميل ولا يعتمد أي توقيع يسهل تقليده، وقد أجاز الدستور قانوناً خاصاً لتوقيع المستندات.
أيضاً نجد للتوقيع أهمية في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. ومن التوقيعات الرسمية المهمة توقيع محافظي البنوك المركزية التي تظهر على العملات الورقية وأشهرها عندنا في السودان توقيع “حافظ الشيخ” محافظ بنك السودان في (عهد الرئيس نميري).
وهناك توقيعات المشاهير من الزعماء وقادة الدول مثل توقيع الرئيس “عمر حسن أحمد البشير” وتوقيع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية “بارك أوباما”. وأيضاً هناك توقيعات لنجوم الفن ولاعبي كرة القدم التي تجد الاهتمام والاحتفاء عند معجبيهم.
قصص واقعية للتوقيع
هناك الكثير من القضايا الجنائية التي تتعلق بتزوير التوقيعات، فبعض من حباهم الله بموهبة تقليد ومحاكاة توقيع الآخرين صاروا يستغلونها في التزوير، وهناك بعض القصص الواقعية التي تحكي عن ابن برع في تقليد توقيع والده لدرجة أن الكمبيوتر رفض توقيع الأب الذي بات ابنه يجيد توقيعه أكثر منه.
وقصة أخرى لشاب سوداني جاءته دعوة زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية (لوتري)، وعندما ذهب إلى السفارة جاءه ثلاثة موظفين كل واحد منهم على حدا طلب توقيعه على ورقة فارغة، وكانت المفاجأة أن توقيعه يختلف في كل مرة فتم إلغاء دعوة الزيارة لهذا السبب.
من التوقيعات الشهيرة والتي لفتت الانتباه توقيع أحد السودانيين المقيم بالمملكة العربية السعودية، حيث أدهش توقيعه موظفي أحد المصارف التي يتعامل معها خاصة إنه ورغم السرعة وقعه بإتقان وهذا التوقيع كتب بطريقة تشكيلية مبدعة، حيث جاء رسمه على شكل (طائر).
لمناقشة هذا الموضوع أجرينا هذا الاستطلاع، في البداية تحدث لنا رجل الأعمال الشاب “خالد سالم” والذي ذكر أن التوقيع فن لا يجيده الكثيرون، وأضاف بأن التوقيع يكمن سر إبداعه في عدم تقليده من أي شخص آخر، وعن نفسه قال إن توقيعه خاصة في الشيكات والأوراق الرسمية التي تصدر عنه لا يستطيع حتى (الشيطان) تقليدها، وكشف أن حرصه على فن التوقيع أتى بعد تعرضه لعملية نصب من أحد المقربين إليه في بداية حياته المهنية، وقال عنها (الدنيا ياما تألمك وتعلمك).
أما “عبد الله” موظف الحسابات بإحدى المؤسسات الخاصة قال إن المشاكل التي تواجهه في التوقيع قليلة، ولكن في التأمينات الاجتماعية يكون التركيز أكثر على الختم دون التوقيع، وأشار إلى أن هذا الإجراء فيه نوع من الخطورة لان (الترويسة) والختم يمكن تقليدهما من أي كمبيوتر، مشيراً إلى أن الأختام يجب أن تكون عليها رقابه خاصة مثل التأكد من اسم العمل واسم الشركة والتوقيع ويكون الختم مرحلة نهائية.
فيما قال “حذيفة إبراهيم” خريج جامعي بأنه يحب قراءة التوقيعات ويقف كثيراً عند التوقيعات المميزة التي تلفت الانتباه من النظرة الأولى.
التوقيع في علم النفس
أما البروفيسور “علي بلدو” استشاري الصحة النفسية قال إن التوقيع والإمضاء يمثل إحدى طرق التعرف على الشخصية ويحكي عن الخبرات التراكمية والخلفيات المختلفة، ويشير أيضاً إلى النزعات والميول واتجاهات كل شخص بحيث يمكن اعتبار التوقيع واحداً من طرق اكتشاف الشخصية وأخذ فكرة عن طريقة تفكيره وتصرفاته، ويمضي “بلدو” في حديثة قائلاً: التوقيعات المختصرة في حرف أو حرفين غالباً ما تعكس الشخصية الخجولة والمنسحبة ولديها خجل اجتماعي وعدم ثقة بالنفس ورغبتها في عدم الدخول في منازعات أو مواجهات، ولكن التوقيعات التي تحمل حروفاً مزخرفة تعكس أصحاب الشخصيات النرجسية والمعتزين بأنفسهم الذين يميلون إلى جذب أنظار الآخرين. أما التوقيعات التي بها جوانب حادة تعكس الشخصيات المتقلبة والمنفعلة التي لديها ميل نحو الاشتباك والزهج والعكننة وعدم قبول الآخر وإبراز الرأي الواحد والعجلة في اتخاذه، بينما أصحاب التوقيعات الدائرية التي بها جوانب من التدوير والحركات البطيئة تعكس أصحاب المزاج المعتدل والصدر الرحب والبال الطويل والصبر والتحمل، وغالباً ما يكونون شخصيات محبوبة، ويشير دكتور “علي بلدو” إلى أصحاب التوقيعات المركبة والصعبة والشاذة بأنهم شخصيات متوهمة مملوءة بالشك والريبة من الآخرين والخوف من الأذى ويكونون دوماً يقظين ومتوجسين من المجتمع، وغالباً هذا النوع من أصحاب النجاحات وإن كان بعد فشل. وفي الختام تحدث “بلدو” عن أهمية التوقيع وقال إنه مثل البصمة لأي شخص، أرني توقيعك أقل لك من أنت.
المجهر السياسي
error: Content is protected !!